عيسى الغساني
ما الثقب الأسود؟ التعريف العلمي للثقب الأسود هو نقطة أو منطقة تتميز بجاذبية قوية لا يفلت منها شيء جسيمات أو موجات أو إشعاع وتحدث اختلالا كبيرا لكل ماهو قريب منها بحيث تعيد تفكيك وإعادة تشكيل كل مايدور حولها.
هذا التعريف يقودنا إلى الإشكالية القانونية المشابهة لدور الثقب الأسود والتي تعطل التشريع بحيث يخرج عن مساره المرسوم له ويخفق في تحقيق النتائج المتوقعة أو الأهداف المأمولة، وهذه الثقوب السوداء التشريعية ثلاثة، وهي: 1. تصميم الأفكار. 2. أهمية وجود نظام تصحيحي للتفسير الخاطئ للقانون. 3. غياب المسؤولية عن الأخطاء الجسيمة المتعمدة التي تعطل القانون وتهدر الحقوق.
- تصميم الأفكار:
والتشريع أيا كانت مرتبته يسعى لتحقيق غايات في جوهرها تدور حول المصلحة العامة للفرد والمجتمع، ولكي تتحقق هذه الغايات يجب أن تكون واضحة ومقننة، يستوعبها ويدرك مراميها الموكل إليهم صياغة البناء التشريعي من أدنى الهرم إلى أعلاه. وعلى تلك الغايات تصمم الأفكار وتبنى على قاعدة التكامل الفكري لنصوص وأحكام التشريع. وتصميم الأفكار ليس عملا فرديا أو نقلا أعمى من تشريعات أخرى ولكنه عمل له أصوله الفكرية والتنظيمية ويحكمه نظام تشريعي على المستوى الاستراتيجي يتناغم مع المبادئ العليا للدولة والمجتمع وهي المبادئ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن ناحية أخرى يحدد من وكيف ومتى ولماذا يسن التشريع، وإذ غاب هذا الطور التشريعي، أدى ذلك إلى صدور تشريعات قاصرة فكرياً تخرج بالتشريع في أحيان عن المسار المرسوم له والنتيجة المتوقعة له وتحدث ارتباكا واختلالا عند التطبيق والتفسير.
إنَّ وجود نظام تفسير علمي ومنهجي للنص القانوني يحقق وحدة التفسير وصحتها وتصحيحها في الوقت المناسب وكذلك المساهمة في تعديل النص القانوني واستبداله إن اقتضى الأمر وتركن جل الأنظمة القانونية لوضع قوانين التفسير، ونقص وغياب هذا التقنين يعد مشكلة، ناهيك عن الدخول في نفق الاجتهادات والتصورات الشخصية لمفسري النص القانوني وتداخل العمل التنفيذي مع العمل التشريعي أو التفسيري للقانون، وهذا يُدخل التطبيق السليم للقانون إلى مرحلة عدم الوضوح والارتباك وربما يفقد القاعدة القانونية مصداقيتها. وكل النظم القانونية، تتعرض لأخطاء تفسير القانون ومن ثم الخطأ في تطبيقه، لكن وجود نظام تصيحيحي للأخطاء يمثل الفرق بين المرونة التشريعية والجمود التشريعي القاتل.
وهنا يُطرح التساؤل: كيف لنا أن نقيم بأن التفسير خاطئ وغير صحيح، وهذا تساول مشروع، الجواب نستطيع التفريق بين التفسير الصحيح والتفسير الخاطئ، من خلال وجود جهة مستقلة من المنوط بهم تطبيق القانون وتفسيره، وتتعدد هذه الجهات في الأنظمة القانونية وهي على المثال وفي هرمها المحاكم الدستورية التي تحكم ببطلان نص أو قانون، استنادا إلى عدم صحة السند الدستوري يليها المحاكم التي تفسر القانون ومنها الإدارية التي تحكم بعدم صحة قرار. وهنا وجود نظام منهجي لتقييم النظام التصحيحي أمر في غاية الضرورة، ذلك إنه متعلق بأهم عنصر وهو الثقة في تطبيق القانون، فكلما ارتفع معدل الثقة في التطبيق الصحيح للقانون، ارتفع معدل التنمية البشرية والاقتصادية.
أحد مثالب أي نظام قانوني هو غياب المسؤولية عن الأخطاء التي ترتكب بحق تطبيق وتفسير القانون وتؤدي إلى إفقاد الثقة في النظام القانوني وتعطيل القانون وضياع الحقوق التي سنت لحفظ النظام الاجتماعي وتحقيق الأمن النفسي والقانوني، فعند غياب المساءلة ترتفع الأخطاء والتجاوزات كما وكيفا، وهذا يمكن رصده بمتابعة كم التظلمات والدعاوى المرفوعة ضد جهة إدارية، وتقتضي المصلحة العامة رصد هذه الظاهرة وتحليلها ودراسة آثارها على المستوى القريب والبعيد، وعلى الأخص مبدأ الثقة بالقانون.