عقلك دليل وجودك وإنسانيتك

مريم بنت خميس الشحية

 

حينما قال الفيلسوف الفرنسي الشهير رينيه ديكارت مقولته الأشهر "أنا أفكر.. إذن أنا موجود"، كان يقصد بها استخدام الإنسان لعقله في جميع أمور حياته، لا أن يفكر عنه إنسان آخر، ويأتي بمقولات عتيقة منذ أزمنة غابرة ويطبقها على الإنسان في العصر الحديث، وأقل ما يُقال عن بعضها أنها غير إنسانية.

حينما تستخدم عقلك كإنسان تستطيع أن تُميز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين الصالح والطالح، فالعقل كمفهوم عام هو مجموعة من القوى الإدراكية التي تتضمن الوعي والمعرفة والتفكير والحكم واللغة والذاكرة، ولكن تركيزنا هو على الثلاث نقاط الأولى (الوعي والمعرفة والتفكير).

لا تُسَلّم عقلك لأي إنسان مهما كان؛ فعقلك ملك لك وحدك، أن يأتي إليك إنسان ويُملي عليك أمورًا كان هو قد أُملي عليه مسبقًا وتم تلقينه كل ذاك وتعبئة عقله بناءً على أجندات سياسية قديمة أكل عليها الزمان وشرب، ثم يطلب منك أن تكون نسخة منه، فذاك هو الانسلاخ من ملكية العقل وتسليمه لكائن آخر تجرد من إنسانيته وانسلخ من مبادئه وتنازل عن ملكية عقله لأموات لا نعلم مدى صحة أقوالهم.

استخدم عقلك في الوعي وكن دائمًا واعيًا لمَا يُقَال لك وما يُملى عليك وما يحاول الآخرون إقناعك به، فقد تكون ضحية عاطفتك حينما يستخدم البعض مصطلحات دينية ويتم تخويفك بها، واستخدم المعرفة والفكر والتفكير وابحث عن الجانب الإنساني فيما يُعرض عليك فإن لم تجد الإنسانية في حديثهم فاعلم أن ما يقال لك من أحاديث غابرة ما هي إلا خزعبلات وترهات لا تمت لعقلك ولا لدينك بشيء.

فحينما ينحصر تفكيرك في زاوية واحدة دون النظر إلى الزوايا المختلفة في هذه الحياة التي تحمل الكثير من الاختلافات الفكرية والعقلية فإنَّ عقلك قد انتقل إلى اللاوعي الذي لا يعي ولا يستوعب الاختلافات المحيطة به.

برأيي أن الفكر الليبرالي والعلماني اللذين يعظمان الإنسان ويجعلانه كائنا مستقلا بعقله وبفكره، ليس بشيء جديد على المسلمين، بمعنى أن الإسلام ميز الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل، ولكن أتعجب من البعض الذين يستسلمون لبعض الأشخاص ويؤمنون بما يقال لهم دون تمييز بين الحق والباطل.

تميز بإنسانيتك فالإنسانية كما وصفها الفيلسوف إيمانويل كانط هي (هدف الأخلاق وأساس فكرة الواجب) وتجردك من الأخلاق يهوي بك إلى قاع الدونية، فلا تتخلى عن عقلك كي لا تخرج من دائرة إنسانيتك ولا تتجرد من أخلاقك.

قديمًا قالوا العقل نعمة، حقًا فالعقل نعمة، نعمة يستخدمه الإنسان لينفع به البشرية لا يركنه على طرف ويُسيَّر من قبل أشخاص آخرين يملؤون عقله بالخزعبلات والأساطير.

لا تكن آلة تحرك من قبل أشخاص يستخدمونك وقتما أرادوا وكيفما شاءوا، حينما يمتلئ قلبك بأفكار سوداوية وترهات لا تقدم ولا تُؤخر لن يكون عقلك متاحًا للسماح بدخول معلومات تغالط ما أُدخل في رأسك وما تم حشوه فيه إذا بقيت مستسلمًا لهم.

الإنسان لا يجب عليه أن يبقى رهين الماضي، بل يجب عليه أن ينظر إلى الأمام وإلى المستقبل، أن يُعمِّر ويبني، لا يقعد ويتغنى بالماضي وينتظر عودته، اثبت وجود عقلك بعملك وليس بالبكاء على الأطلال أو الدفاع عن خرافات قديمة لا صحة لها وأنت تهتف وتصارخ وتدافع عنها باستماته دون معرفة الصحيح من الخطأ.

تعليق عبر الفيس بوك