مختصون يحذرون من خطرها.. ويؤكدون ضرورة تفعيل الرقابة الأبوية

الألعاب الإلكترونية.. غول يبتلع أطفالنا

◄ المعمري: الألعاب الإلكترونية أدت إلى ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لدى الطفل

◄ العوض: يجب تحديد وقت مُعين لممارسة الألعاب الإلكترونية

◄ العريمية: الرقابة الأبوية ضرورية لعدم الوصول إلى مرحلة الإدمان

 

تحقيق- سارة العبرية

باتت الألعاب الإلكترونية عنصرًا أساسيًا في حياة الأطفال والمُراهقين في ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم وخصصت لها بعض المؤسسات حول العالم مسابقات حازت على انتباه ملايين الأطفال حول العالم نظرا لشغفهم بها وإدمانهم لها.

وبحسب باحثين ومختصين، فقد تحولت الألعاب الإلكترونية إلى ظاهرة مرضية غير صحية وأصبحت تشكل محور حياة الكثير من الأطفال نظرا لممارستها لأوقات طويلة، ما يؤدي للتأثير على نشاطه الطبيعي ويجعله في حالة انفصال دائم عن الحياة الطبيعية مخلفًا حالة من التعلق الشديد بتلك الألعاب في يقظته ونومه، وهو ما قد يُفضي إلى نتائج أكثر خطورة.

وانتشرت في الفترة الأخيرة ألعاب "ببجي وفورت نايت وكول أوف ديوتي"، وهي ألعاب إلكترونية متاحة على الهواتف وأجهزة البلايستيشن تكمن خطورتها في أنها تُتيح للمُستخدمين التعرف على غرباء وإنشاء صداقات عبر شبكات مخفية وجذبهم إلى أفعال مشينة تخالف العادات والتقاليد، بالإضافة إلى اعتماد بعض هذه الألعاب على القتل وتدمير الممتلكات.

وفي تقرير نشرته قناة "الجزيرة" الإخبارية؛ بلغ حجم سوق الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو 203.12 مليار دولار أمريكي عام 2020، ومن المتوقع أن يبلغ حجم هذا السوق نحو 546 مليار دولار أمريكي عام 2028، وأن عدد الذين يمارسون هذه الألعاب بلغ 2.699 مليار لاعب في جميع أنحاء العالم في عام 2020، وهناك ما بين 3% - 4% من اللاعبين المدمنين.

أضرار نفسية وسلوكية

وأكد الدكتور سيف بن ناصر المعمري الخبير التربوي والأكاديمي في كلية التربية بجامعة السلطان قابوس أن الجلوس أمام هذه الأجهزة له عواقب وخيمة سواء على الجانب النفسي أو السلوكي أو الصحي، لأنَّ نسبة كبيرة من الألعاب الإلكترونية تعتمد على التسلية والاستمتاع بالقتل، على الرغم من وجود بعض الآراء التي ترى أن الألعاب الإلكترونية تسهم في تنمية عقلية الطفل وزيادة مهاراته وإثراء خياله ودفع قدراته للنمو والوعي الواسع، معتبرا أنه على الرغم من هذه الآراء الإيجابية إلا أنَّ الألعاب الإلكترونية تحمل الكثير من الأذى للطفل خاصة على الصحة الجسدية والنفسية والعقلية والسلوكية.

وأشار المعمري إلى أن الألعاب الإلكترونية قد تكون أكثر ضررًا من الأفلام التليفزيونية العنيفة لأنها تتميز بطابع تفاعلي بينها وبين الطفل؛ حيث يتطلب ممارسة اللعبة أن يتقمص دور الشخصية العدوانية وهو يمارس اللعبة الإلكترونية، مضيفاً أن هذه الألعاب تعلم الأطفال والمراهقين أساليب ارتكاب الجرائم وفنونها وحيلها وتنمي في عقولهم العنف والعدوان والميل لارتكاب الجرائم.

وذكر أن علماء النفس أن الألعاب الإلكترونية تعد أحد الأسباب التي أدت إلى ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لدى الطفل ومشاكل العنف والبلطجة في البيئة المدرسية أو العزلة الاجتماعية، وأنه من الآثار السلبية لهذه الألعاب الإضرار بذاكرة الطفل على المدى الطويل بالإضافة إلى إصابة الأطفال بالانطواء والكآبة خاصة عند وصول الطفل لحد إدمان مثل هذه الألعاب، فضلا عن الإصابة بخمول الدماغ والإجهاد أو ما يعرف "بضعف الذاكرة" على المدى الطويل، وكذلك تتسبب في إصابة الأطفال بالسمنة والضعف في العضلات ومشكلات بالبصر والعصبية الزائدة.

ولفت المعمري إلى أنه عند لجوء الطفل إلى الألعاب الإلكترونية يومياً بأوقات طويلة فإنَّ هذا يؤثرعلى تفاعله مع الآخرين ويميل للانطواء، كما أن عدم خوض الأطفال لأنشطة أخرى تنمي مهاراتهم يؤثر على قدراتهم في المستقبل وقد يتعرضون للفشل الدراسي وعدم التحصيل الجيد.

التوازن هو الحل

وشدد الدكتور سيف الدين العوض عميد كلية الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية في السودان والاستشاري السابق بقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس على ضرورة تحديد وقت مُعين خلال اليوم للسماح للأطفال بممارسة الألعاب الإلكترونية بالإضافة إلى ممارسة أنشطة أخرى تفاعلية وجماعية مثل الرياضة والرسم والقراءة.

وأضاف أنه على الأسرة أن تشارك أطفالها في الأنشطة التي تشغلهم بعيدا عن مثل هذه الألعاب والتعرف على مواهبهم التي يتمتعون بها لتنميتها.

من جهتها، بيّنت رقية المعمري الأخصائية النفسية في عيادة "Sjmc" لاستشارات الطب السلوكي والنفسي أنه عندما يبدأ الطفل باللعب يبدأ العقل بتنشيط المراكز الدماغية المسؤولة عن المكافأة والتي تؤدي إلى زيادة ناقل عصبي في الدماغ يسمى "الدوبامين" الذي يحفزالشعور بالسعادة والرضا في كل مرة يقوم الطفل باللعب. وأوضحت أن هذه الكيفية لها القدرة على تحويل ألعاب الفيديو من مجرد لعبة مؤقتة إلى إدمان يؤثر على خلايا المخ ويشير إليها البعض بـ"الإدمان الناعم".

وكشفت دراسة نشرتها "الرابطة الأمريكية للطب النفسي" أجريت على مجموعتين من الأطفال أعمارهم بين 13 و15 عاما أن الأطفال الذين اعتادوا ممارسة ألعاب الكمبيوتر خاصة العنيفة منها والتي تشمل الحروب والقتل، زاد لديهم السلوك العدواني واتسموا بسرعة الغضب، إضافة إلى إصابتهم بمشاكل في النوم وزيادة عدد ضربات القلب.

وأشارت إحصائيات وتقارير صادرة عن منظمات دولية إلى المخاطر الناجمة عن الإفراط في ممارسة الألعاب الإلكترونية، وأفادت بأن هناك 175 ألف حالة مرضية نتيجة إدمان الألعاب الإلكترونية في العالم، كما أصيب 285 ألف طفل بمشاكل في النظر نتيجةألعاب الفيديو.

وأجرى الباحث خيسوس بوجول دراسة من مستشفى "ديل مار" في برشلونة، وشملت 2442 طفلا تتراوح أعمارهم بين 7 و11 عاماً، وكشفت الدراسة أنه يمكن إيجاد علاقة بين المدة التي يقضيها الطفل في ممارسة الألعاب والمشكلات السلوكية لديه، وصراعه مع نظرائه وتقليل مهاراته الاجتماعية، وهذه المشكلات تظهر بشكل خاص لدى الأطفال الذين يمارسون ألعاب الفيديو لمدة تزيد على 9 ساعات أسبوعيا. وقال بوجول "إن ممارسة ألعاب الفيديو ليست جيدة ولا سيئة على الإطلاق وإنما الفترة التي يقضيها الطفل في ممارسة الألعاب هي التي تحدد النتيجة".

التحول من اللعب إلى الواقع

وقالت بدرية بنت سالم العريمية أخصائية اجتماعية بمدرسة التميز للتعليم الأساسي بالعامرات إن أغلب الألعاب الإلكترونية حاليا تزيد سلوكيات العنف في الأطفال من خلال الرغبة في الفوز بمراحل اللعب معتمدا على القتل والتدمير، الأمر الذي يزرع سلوكيات سلبية لديهم ومحاولتهم تطبيق ذلك في الواقع مع أصدقائهم أو إخوتهم.

وأكدت العريمية أن الرقابة الأبوية تعد أهمية كبيرة للحد من تأثير الألعاب الإلكترونية على سلوكيات الأبناء، وأنه يجب تشجيع الأبناء على ممارسة هوايات أخرى كاللعب مع الأصدقاء والقراءة والرسم والعزف والخروج في رحلات أسبوعية عائلية، وتعلم مهارات جديدة ومع مرور الأيام يبدأ تركيزهم ينصب في أنشطة أخرى.

وأوضحت منال بنت سالم اليعقوبية أخصائية اجتماعية في مدرسة ذات النطاقين للتعليم الأساسي بولاية عبري أن الألعاب الإلكترونية خطيرة في حال لم تقنن للطفل، وأن جلوس الطفل أو المراهق على هذه الألعاب لساعات طويلة يسبب له عدة مشاكل صحية أبرزها مشاكل في الرقبة وتحدب العمود الفقري وضعف القدرات الإدراكية والميول للعنف والتقوقع، وأيضاً زيادة في الوزن بسبب قلة الحركة واستهلاك الأطعمة السريعة غير الصحية.

وأضافت أن هناك بعض النواحي الجيدة في هذه الألعاب منها: التحسن الكبير في اللغة الإنجليزية وتنمية الذكاء وسرعة البديهة والقراءة بشكل أفضل، مشيرة إلى أنه يجب مراقبة الأطفال وتخصيص فترة معينة للعب يتفق فيها الوالدان بشروط معينة ومناسبة واختيار الألعاب المناسبة، كما أن رعاية الأطفال ليست مهمة ثانوية بل الحرص على وجود الوالدين دائمًا هي مسؤولية وواجب مُقدس.

واعترف بعض أولياء الأمور بأن العزلة التي يعيشها معظم الأطفال في الغرف المغلقة دون أي متابعة تدفعهم إلى ممارسة ألعاب الفيديو والمخاطر التي تنطوي عليها، مشيرين إلى أن انشغالهم بالعمل يضعف الإشراف والدور الرقابي.

تعليق عبر الفيس بوك