عُمان في المحيط الأزرق

فايزة سويلم الكلبانية

faizaalkalbani1@gmail.com

بدأت دول عدة حول العالم تتجه إلى تطبيق ما يُسمى "استراتيجيات المحيط الأزرق"، كما نجد أيضًا البعض من الشركات الكبرى التي تلقى انتشارا وإقبالا واسعا في معظم أسواق العالم اليوم ومنها شركة "أبل" تتبع تطبيق استراتيجيات المحيط الأزرق بعد دراسات متباينة للجدوى الاقتصادية وسياسات العمل من منطلق التجديد والتميز في ظل المنافسات الشرسة بين مختلف الدول والشركات، والأمر لا يقتصر على الشركات الكبيرة؛ بل أيضًا على مختلف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولنا نماذج عدة في الشركات الناشئة مثل "بوكينج" و"طلبات" و"ويجو" وغيرها الكثير، والتي تحولت لاحقًا إلى شركات عملاقة منتشرة في أنحاء العالم.

ومن خلال مُتابعتي وقراءاتي في هذا الشأن، يمكننا أن نُعرِّف استراتيجيات المحيط الأزرق بأنها سياسات في الابتكار لإطلاق منتجات أو خدمات فريدة ومميزة تتميز بأنها "جديدة كليًا" تُبحر بعيدًا عن مجالات المنافسة التقليدية. وإذا نظرنا لهذه السياسات وإمكانية تطبيقها في السلطنة، نجد ذلك متاحًا من خلال جذب المزيد من الاستثمارات، والعمل على تقديم فرص للعمل والاستثمار في مواقع بأراضٍ جديدة كليًا لم نصل لها مسبقًا، وقد يكون لم يصلها قبلنا الكثير، مع الحرص على اختيار الموقع المناسب والمنتج الاستثنائي الذي قد يجد إقبالًا أكبر من المستهلكين حتى نبتعد عن الخسائر المتوقعة في ظل المتغيرات الاقتصادية والسياسية بالعالم أجمع.

وفي المقابل، يمكن أن تكون سلطنة عُمان هي "المحيط الأزرق" لبعض الدول التي ترى بأن موقع السلطنة المتميز، وبفضل سياسة الحياد، يساعدها على أن تكون صديقة للجميع، إلى جانب ما تزخر به من مقومات وعلى رأسها علاقات السلام والأمن والأمان مع كثير من دول العالم، وقيام السلطنة بأدوار سياسية واقتصادية ناجحة مع مختلف الأطراف. ومن هذا المنطلق نجد بأنه على السلطنة إذا ما وجدت ما يحقق الغاية الاقتصادية المستدامة من بعض المشاريع والفرص التي قد تُعرض عليها من دول العالم المختلفة للاستثمار أو التوسع أو تحقيق ميزات اقتصادية وتجارية مستجدة ومتبادلة، فلابُد أن نغتنم الفرص ونخوض بكل جرأة فيما يمكن أن نحقق منه الانتعاش والعوائد الاقتصادية الإيجابية.

ومن خلال متابعتنا لمجريات ووقائع اللقاء الأخير لزيارة معالي سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا الاتحادية للسلطنة، فقد تكون عُمان هي "المحيط الأزرق" للجانب الروسي اليوم، وللكثير من الدول الأخرى مع المرونة في اشتراطات جذب الاستثمارات الأجنبية؛ بما يعزز الوضع الاقتصادي اليوم، فقد نجد فرصًا للاستثمار أو التوسع تعود على البلاد بالنفع والفائدة من خلال الاتفاق مع الجانب الروسي. وفي ظل الوضع المتوتر في أوروبا، ثمة مقترحات لتوجيه الاستثمارات نحو "المياه الدافئة"، والتي تعني الدول ذات معدلات الأمان المرتفعة، والبعيدة عن أتون الصراعات والحروب، ولا شك أن عُمان يمكن وضعها في مقدمة الدول الجاذبة للاستثمارات في منطقتنا جمعاء.

ويمكن أن نتوسع في الاتفاقيات من أجل تعزيز العلاقات وتوسيع التعاون في مجالات الطاقة والسياحة والتطور التقني واللوجستي والصناعات الثقيلة، إلى جانب التوسع فيما يخدم التنويع الاقتصادي في القطاعات الخمسة الواعدة التي نعمل عليها اليوم ضمن أجندة رؤية "عُمان 2040" والتوسع فيها، وذلك إلى جانب ما تم الاتفاق عليه من خلال توسيع حزمة الاتفاقيات الثنائية بما فيها الإعفاء المتبادل للتأشيرات لمواطني البلدين، واتفاقية التعاون بين متحف الأرميتاج الروسي والمتحف الوطني العُماني،  إضافة إلى اتفاقية منع الازدواج الضريبي التي من المتوقع أن تُسهم في زيادة التبادلات التجارية والاستثمارات.

وأودُ الإشارة هنا إلى أنَّ أغلب الدراسات في استراتيجيات المحيط الأزرق أثبتت أنه من الطبيعي أن يواجه يتبع استراتيجيات المحيط الأزرق تحديات في بداية الأمر، وقد يُنفق الكثير من الأموال والتكاليف كونه يعمل على تأسيس وإنشاء سوق جديدة أو منتج جديد ليس له تواجد مُسبق، ولكن مع الوقت وخلال فترة زمنية قصيرة، لا بُد من أن يحقق الربحية المستهدفة، لكون المنافسة أقل والطلب أكبر، والعملاء بتلك السوق جدد ولا يوجد أمامهم غير ما تقدمونه لهم من منتجات أو خدمات أو أي مشروع آخر استثنائي بالنسبة لعالمهم.

وختامًا.. إن استراتيجيات المحيط الأزرق من المتوقع أن تمنح المؤسسات المنفذة لها ميزة تنافسية عالية؛ كونها ستعمل على الكشف عن أسواق جديدة لعرض منتجاتها بدون أن تجد منافسين لها، وبهذا سنعمل على التحول من "المحيط الأحمر" الذي يتواجد فيه الجميع وترتفع فيه المنافسة إلى المحيط الأزرق الذي يتميز بكل ما هو جديد كليًا، ومن شأنه تحقيق الأهداف المرجوة في التنافسية والاستمرارية والديمومة والربحية المتوقعة إذا ما وفقنا باكتشاف مواقع وأسواق جديدة كليًا.