التفكير الكبير والمشروع العملاق

إبراهيم بن سعيد الريامي

إذا كان تفكيرك صغيرًا، وتطلعاتك صغيرة في الحياة؛ فمن الطبيعي أن تحصل على نتائج صغيرة ونجاحات بمستوى تفكيرك، والعكس صحيح فإن التفكير الكبير يفضي إلى نتائج كبيرة وعظيمة.

في عام 1959 أطلق الكاتب الأمريكي ديفيد شوارتز " David Schwartz" كتابه الشهير "سحر التفكير الكبير"، وكان من بين أكثر الكتب مبيعًا، لقد أطلق هذا الكتاب العنان للكثير من رجال الأعمال الذين تبّنوا مفهوم التفكير الكبير، ولم يقتصر الأمر عليهم والمهّتمين بتنمية المشاريع فحسب، بل تعدّى ذلك إلى تبّني العديد من الدول لهذا المفهوم.

وخلاصة الفكرة أنك إذا كنت ستبذل جهدًا في مشروع معين، فعليك أن تبذل هذا الجهد في مشروع كبير يستحق العناء، وعلى أثر ذلك ظهرت العديد من المشاريع الكبيرة العملاقة المتميزة في العديد من الدول، ويكفي أن تطلق أي دولة مشروعًا واحدًا كبيرًا لتتوالى بعدها المشاريع الكبرى الأخرى واحدًا تلو الآخر؛ لأن إطلاق مشروع واحد كبير وناجح: يعزّز الثقة بالنفس، ويشجّع على الاستمرار، والانطلاق بذات النهج والعزيمة في إطلاق المشاريع الكبيرة والمتميزة، كما يشجّع المستثمرين في الداخل والخارج على الاستثمار من خلال إطلاق مشاريع كبيرة مشابهة.

وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال: لماذا تتوفر الجرأة لدى بعض رجال الأعمال والدول في الإقدام على مشاريع عملاقة وكبيرة، بينما البعض الآخر لا يقدم على ذلك؟!

لعلّ السرّ يكمن في غياب التجارب السابقة، وعدم الثقة بالنفس، وعدم الايمان بإمكانية تحقيق مثل هذه المشاريع.

إن الإيمان بإمكانية نجاح فكرة أي مشروع هي الأساس، والخطوة الأولى للذهاب إلى أبعد من ذلك بتحوّل الفكرة إلى واقع.

على الإنسان ألاّ يشغل نفسه بكيفية إتمام ذلك، ومن أين ستأتي الأموال لتنفيذ مثل هذه المشاريع  الكبيرة؛ لأن التفكير بالعوائق سيؤدي إلى خلق عراقيل وقتل الفكرة من أساسها، بينما في المقابل إن التفكير في الحلول سوف يؤدي إلى الحلول والوصول إلى تحقيق الغاية والإنجاز.

ما أحوجنا اليوم لتبّني مشروع عملاق كبير يضع السلطنة على خارطة العالم بحيث تُعرف عُمان بهذا المشروع الكبير، وليس القصد أن يتم خلق مشروع عملاق لذاته، وإنما لتحقيق عدد من التطلّعات المهّمة والغايات الأخرى: مثل خلق فرص عمل كبيرة للعمانيين من خلال هذا المشروع، و تعزيز حضور عُمان العالمي كونها وجهة سياحية متميزة، وربط اسم عُمان بهذا المشروع العملاق، وجذب المزيد من الاستثمارات للبلاد، وأخيرًا رفع معنويات المواطنين وطمأنتهم بأن بلدهم مقبل على منجزاتٍ كبيرة تتوافق مع طموحاتهم وتطلعاتهم، وما أجمل أن يسود جوّ من الأمل والتفاؤل عوضًا عن السلبية والتشاؤم تجاه المستقبل، أمّا السؤال المحوري فهو: كيف يمكن أن نبدأ بفكرة مشروع كبير كهذا؟!

لقد أطلق صاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم آل سعيد فكرة رائدة تحمّس لها الكثير من الشباب، وهي جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري؛ حيث اُختير أفضل تصميم عمراني من قبل مكاتب استشارية عُمانية، ويمكن البناء على هذه الفكرة من خلال إطلاق جائزة السلطان هيثم بن طارق لأفضل مشروع يمكن أن يقام في سلطنة عُمان، تدعى للمنافسة فيه كبرى الشركات العالمية المتخصصة، ومن أجل تشجيع هذه الشركات للاهتمام بالمشروع وإعطائه الاهتمام اللازم، يمكن تخصيص مبلغ 3- 5 ملايين دولار للمشروع الفائز.

ما هي الشروط والمتطلّبات لمن يقع عليه الاختيار؟

  • تقديم فكرة ابتكارية وغير متكررة تتسم بالحداثة والتطلّع نحو المستقبل.
  • تقديم تصوّر لمخطط متكامل للمشروع يوضح كافة تفاصيله.
  • تقديم خطة واضحة لتمويل المشروع بحيث لا تحمّل الحكومة تكاليف كبيرة .
  • تقديم تصوّر متكامل بالتكلفة وخطوات التنفيذ ومدة الإنجاز.
  • القدرة على تشغيل عمالة وطنية تتراوح ما بين (50 100) ألف مواطن عماني.
  • تصوّر واضح للجدوى الاقتصادية من المشروع.

ومعظم الأعمال والمشاريع الكبيرة كانت عبارة عن أفكار في عقول أشخاص آمنوا بتلك الأفكار وتبّنوها، وبالتالي ظهرت إلى حيّز الوجود، وكما نعرف جميعًا أن من يقول مستحيل فهو صادق وأعظم إنجاز له أنه لن يحقق شيئًا، وكذلك من سيقول ممكن فهو صادق أيضًا وسينال مبتغاه لا محالة، ولا يسعني إلاّ أن أستشهد بالآية العظيمة في كتاب الله عز وجل " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى".

إن عُمان اليوم في مرحلة فارقة لا تريد أن تتبنى مشاريع متكررة؛ بل تريد أن تصنع لنفسها عنوانًا مميزًا . عمان كانت قوية في الماضي وستظل كذلك حاضرًا ومستقبلًا، وما يبعث على التفاؤل أن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مهتمٌ بالملف الاقتصادي وجذب الاستثمارات للبلاد، وعليه فإقامة مشروع عملاق متميز في سلطنة عُمان يتوافق مع رؤية جلالته- حفظه الله.

تعليق عبر الفيس بوك