هل نملك أنفسنا؟

د. غالية أحمد المحنى *

سؤال بدأ من ابنتي صفية لأمٍ تحمل همومًا متعددة؛ أولها الاهتمام برعايتها في البيت وتتسع الدائرة لتشمل مرضانا في السلطنة الذين يعانون من اضطراب كهرباء القلب الذي قد يدمر قلوبهم مع الوقت، أو يضايقهم في ممارسة حياة طبيعية كشباب، كآباء أو أمهات،  أو يعيق التحاقهم بمؤسسات الشرطة أو العسكرية.

ربما يكون موتًا يختطف شباب متعددين أحيانا من عائلة واحدة، فترى الناجي الوحيد يأتي إليك مكسورا منتظرا مباغتة الموت في أي لحظة دون سابق إنذار كما حدث ربما لوالدته أو والده أو حتى أخوه وتراه مودعا للحياة وهو فيها. قد يكون رجلا أصيب بجلطة غير مُبررة إلا باضطراب النَّبض الذي باغته ليُعيقه ويُعيق كلاً من حوله بل يجعله في انتظار خطفة الموت وهو ميت الروح، أو عن قصور عضلة القلب الذي يطرح صاحبه سنوات في ظلمة المرض والإعاقة.

نحن هنا في البلد الذي اختاره قلبي أمام مسؤولية أكبر بكثير من الغرب؛ حيث نجد رفاهية ورقي العلم والتطور والنجومية واحترام العقول والإمكانيات لديهم ووجودنا هنا ماهو إلا شرف نمتن له، هو أيضا قرار ليس بسهل التنازل عن المكاسب الدنيوية التي تسعد الأنا  لنبحث عن الله في قلوب المرضى المحتاجين لنا في بلادنا ونبني لهم ما يتوجب علينا. المرضى الذين إن لم نأخذ بيدهم في وقت مناسب أذابهم المرض وماذا بعد اعتلال القلوب يؤذي.

عُمان الخير وقلوب أهلها تستحق أن نقف بجدية والتزام أمام مسؤولية بهذا الحجم في مركز قلب مهم مثل السلطاني الأكبر على مستوى السلطنة قد تكون الساعة المهدورة أو الطاقات المهدورة أو السرير المحجوز يساوي حياة وسلامة مريض آخر.

عمان الخير تستحق أن نقف بمهنية عالية لنضع أنفسنا على خارطة الشرق الأوسط وبقوة لنثبت للجميع استحقاقنا للريادة خصوصا أننا نمتلك كوادر من الدرر أغلبهم لايعرفهم أحد يسابقون الزمن للعمل بأعلى طاقة وأعلى مجهود يطورون أنفسهم لأن الروح العمانية لاتقبل بغير ذلك من التمريض والتقنين والأطباء رغم نقص الكادر وغياب الترقيات (عن تخصص القلب أتحدث).

يغلِّب البعض حب الأنا حتى الأذى، لكن هل لدينا هذه الرفاهية أمام مسؤولية كبرى كهذه؟ لا والله... إنها مسؤولية نسأل عنها أمام الله ونسأل عن كل أوقاتنا، مسؤولية التطور والتعلم ورفع من حولنا وتطوير النظام ليليق بقلوب مرضانا الغالية؛ ليرحموا من تعثر العلاج والاضطرار للسفر أو التخبط.

نحن هنا لا نملك أن نرد سائلا أو استشارة لأنها قد تكون أحيانا مفترق حياة أو موت، لا نملك أن نتنازل عن عملية خطيرة لمجرد حماية أنفسنا من الخطأ، لا نملك أن نسترخي لأن مرضانا ليس لهم ملجأ آخر، لا نملك أن نحرمهم من أدوية حيوية بسبب الإمكانيات، لا نملك إلا أن نكون يقظين متفانين أقوياء من أجل رعيتنا المسؤولين عنها مهما اتسعت دائرتها.

أن نستفيد من المؤسسات القيمة والتجهيزات التي لم يتوانَ المسؤولون عن دعمها والرؤية القيمة، لا نملك إلا أن نحافظ على أنفسنا وصحتنا لأن عملنا يستدعي عمليات طويلة تستغرق ساعات تحتاج لجسم سليم وعقل سليم يقظ على مدار الساعات الطويلة وقلب حكيم مُحب لكل مريض لأن كلمة طيبة هي بداية الشفاء وكم شهدنا كلمات طيبة أحيت الأمل في قلوبهم قبل العلاج.

نحن يا ابنتي الحبيبة لا نملك أنفسنا، ومسؤولون عن الوعي المجتمعي أيضا؛ لذلك تعلمت أنت كيفية إنعاش القلب بيديك الصغيرتين.

نحن جزءٌ من مهمة عظيمة أكرمنا الله بها لنكون سبباً في دعم ومساعدة الآخرين وأنت جزء من هذه المهمة مثل أختك الكبرى مسؤولة معي بالتحمل والاستيعاب قبل أن تخترق نبضة شاردة قلب أحدهم وتكون سبًبا في يتم أطفاله أو كسر قلوب أهله.

نحن يا ابنتي مهمتنا العطاء والإخلاص لما خلقنا له وأمتلكنا أسراره وملكاته حتى تكتشفي مهمتك الخاصة ويستنير الطريق أمامك بتوفيق الله.

يا ابنتي.. ليس هبة أعظم من سلامة القلب باطنًا وظاهرًا.

** استشاري أول قلب كبار/ تخصص دقيق كهرباء القلب وقصور عضلة القلب 

تعليق عبر الفيس بوك