إنهاء ملفات إثبات المُلك

 

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

 

في ليلة قمرية رائعة التقيتُ أحد الإخوة الأعزاء والذي لم ألتقِ به منذ فترة، وعند أخذ العلوم والأخبار قال لي: "لقد تقاعدت من وزارة الإسكان والتخطيط العمراني بعد مضي 20 عامًا، وقلت له: أنت ما زلت شابًا وفي أولى سنوات الأربعين، فلماذا التقاعد؟ قال: نُقلت إلى قسم إثبات الملك وهذا القسم مُتعب، فسألته بتعجب: بعد مضي 52 عامًا على النهضة، هل ما زال هناك طلبات لإثبات الملك؟!

وأنا في حالة الذهول هذه، تبادر إلى ذهني عدد من السوالف والحكايات التي ترسخت في العقل اللاواعي من قصص زراعة النخيل بالليل رغبة في زيادة مساحة المزرعة التي بها طلب إثبات الملك، وقصص الذبائح والعزائم التي يُدعى لها البعض، وغيرها من عمليات الإقناع المشفوعة بدهن الشوارب وقصص التزوير في الصكوك ورسائل الشيوخ والرشداء التي تشفع لهذا وتحرم آخر، وغيرها من القصص التي نسمعها من هنا وهناك، ولا نعرف مصدرها ولا حقيقة وقعوها من عدمه، ولكن يُقال معنا في المثل الدارج "ما شيء دخان بلا نار".

لستُ ضد إثبات الحقوق ومنحها لأصحابها، ولكن أن يُترك الحبل على غاربه ولا تكون هناك صرامة واقعية لمثل هذه التصرفات التي ذهبت معها حقوق بشر وأراضٍ للدولة بدعوى أنها ورث من "الجد الخامس والخمسين" فهذا لا يجوز شرعًا ولا عقلًا! وكان يفترض بالجهة المعنية نشر إعلان نهائي لكل أصحاب دعوى إثبات المُلك بأن تاريخ معين من عام 2022 هو آخر تاريخ لاستقبال مثل هذه الطلبات، ولن يُقبل أي طلب بعد هذا التاريخ، مهما كان نوعه ومصدره، ودون استثناء لا من الوزير ولا من الوكيل، وتسقط الدعوى بعد هذا التاريخ، فلا يعقل ونحن في منتصف عام 2022 وما زال هناك من يدعي بأنَّ له مُلك معين غير مسجل.

لقد وصل عدد الطلبات المسجلة في وزارة الإسكان والتخطيط العمراني حتى نهاية عام 2021 أكثر من 59 ألف طلب إثبات وتسجيل مُلك، وهذا الرقم كبير جدًا، ويؤشر إلى مؤشرات عديدة لمن يقرأ لغة الأرقام، وإذا كان الأمر كذلك فلا مُعالجة لهذا الأمر إلا بما ذكرته سابقًا من تحديد موعد نهائي لا يُستقبل بعده أي طلب لتسجيل الملك. وعلى الوزارة الاستعجال في البت في هذه المطالب، وقد فعلت الوزارة خيرًا عندما "أصدرت قرارًا وزاريًا للتعامل مع طلبات إثبات وتسجيل المُلك، من خلال تفويض مديري العموم بمديريات الإسكان والتخطيط العمراني بالمحافظات باعتماد توصيات لجان إثبات وتسجيل المُلك، واعتماد الطلبات المرفوضة بغض النظر عن المساحة، وذلك لتسهيل وتبسيط إجراءات البت في الطلبات المسجلة ضمن مبادرة "تسهيل" التي أعلنت عنها الوزارة مؤخرًا؛ حيث سيساهم القرار في سرعة إنجاز أكبر عدد ممكن من الطلبات المسجلة، وكذلك يُقلص المدة الزمنية للبت فيها، وكانت الإجراءات السابقة تقضي بتحويل جميع الطلبات إلى الوزارة للبت النهائي فيها.

لكن القرار الجديد فوّض مديري عموم الإسكان والتخطيط العمراني بالمحافظات، وحدد نطاقًا جغرافيًا معينًا باعتماد توصيات لجان إثبات وتسجيل المُلك للطلبات المقدمة في المباني القديمة، والأموال الخضراء التي تسقى من الأفلاج، والأموال التي تُسقى من الآبار بها شهادة حصر وتسجيل، شريطة ألا تزيد عن 1000 متر مربع، وطلبات إثبات وتسجيل الملك التي تزيد مساحتها عن 1000 متر مربع، تتم دراستها من قبل اللجان المختصة بالمحافظات، ومن ثمَّ إحالتها للوزارة للاعتماد بصرف النظر عن المساحة؛ وذلك وفقًا للإجراءات المعمول بها في التعامل مع هذه النوعية من الطلبات المقدمة، ويتم تمليكها من قبل الوزارة في حال أثبت المواطن بالوثائق والمستندات أحقيته في التملك". (ما بين القوسين حديث المهندس أحمد بن سعود الكمياني مدير عام الأراضي بصحيفة الرؤية العمانية بشهر ديسمبر من العام الماضي).

إن إنهاء ملف إثبات الملك سوف يسهم في تعجيل ملفات أخرى للمراجعين في أقسام التخطيط والمساحة التي ما تزال تعاني وتئن منذ سنوات وفي غيرها من الأقسام الأخرى، ويعمل على تسريع وتيرة خدمات أخرى شكلت دائمًا مصدر إزعاج للوزارة والمراجع، ويُغيِّر من الصورة النمطية التي تشكلت عند الكثيرين من أن عمل الوزارة مُتعب وأن خدماتهم بطيئة، مع أن الوزارة تعمل حاليًا بوتيرة يمكن وصفها بأنها "جيدة"، وأن التحول الإلكتروني يمضي فيها نحو تطور أكثر من مؤسسات خدمية حكومية أخرى.

نأمل أن يكون للوزارة موقف حاسم من قضايا إثبات المُلك خلال المرحلة المقبلة، وأن يكون عام 2022 هو الفيصل في إنهاء هذا الملف الشائك، ودمتم ودامت عمان بخير.