دردشة عن الصحة والمرض والعمر المديد

 

عبدالله الفارسي

يقولون: "لكي تعيش عمرا مديدا وصحيحا، يجب أن تتمتع بثلاث صفات ضرورية؛ وهي أن تكون بليدًا وسخيفًا وأحمقًا"!

****

في هذا العيد غير السعيد كنت في زيارة إلى الباطنة، تلك المنطقة الفسيحة، المتعددة الطبيعة، المتقلبة الأمزجة، المتباينة الأفكار والوجوه والشخوص. قابلت أصدقاء قدامى، جلست معهم، مستمتعا بلهجة أهل الباطنة الجميلة، الشيقة، وأرواحهم المرحة المتفائلة، وطبعا تذوقت شواءهم اللذيذ العجيب.

ومن أغرب المواقف التي صادفت، قابلت أخوين كبيرين في السن، قيل لي إنهما تجاوزا الستين، يفصل بين الكبير والصغير 5 سنوات فقط. الغريب في هذين الأخوين رغم تشابه صورتيهما هو تناقضهما الصارخ في السلوك ومستوى الصحة، جلست مع الأصغر سنًا، كان يحمل ملامح المريض المتألم، الواهن الضعيف، رغم رشاقة جسمه، وتناسق جسده.

وكان الثاني يحمل ملامح الصحيح السليم، المليء المتعافي، رغم انتفاخ بطنه، وترهل جسده. ثرثرت مع الأخ الأكبر، فمزاجه الرائق، وروحه الطلقة منحته قدرة على الدردشة والانطلاق في الحديث والثرثرة الطويلة. قال لي بكل ثقة: الصحة والرياضة وهم كبير، وخدعة عظيمة، فقلت له: كيف ذلك؟ فقال: "هذا أخي وهذا أنا! هو يصغرني بخمس سنوات وهو منذ الصغر إنسان رياضي يمارس كرة القدم والسباحة والجري وركوب الدراجات الهوائية، وقبل أن يبلغ الخمسين، كان دائم المرض؛ إذ سقط طريح الفراش لا ينهض إلا بمعجزة إلهية، حمى بسيطة تفقده الوعي، وزكام خفيف يصعد بروحه الى السماء ثم تنزل ولا تعود إلا بدعاء الوالدة. انظر إلى جسمه الرياضي، ورشاقته الملفتة للنظر!

وانظر إليّ أنا، هذا البرميل الضخم الذي يربض أمامك، لا أذكر أنني مرضت يومًا، أو دخلت عيادة، الإبرة الوحيدة التي دخلت جسمي هي إبرة التحصين المدرسي حتى تحصين كورونا لم اقترب منه أبدًا، بينما أخي كان أول الراكضين إلى مراكز التطعيم وأول من أخذ الجرعات الثلاث. ويكمل: إنني أدخن منذ العاشرة، وبعد بلوغي العشرين صرت أدخن أي شيء يخرج دخانًا وقابلًا للتدخين، إذا لم أدخن كل يوم علبتين من السجائر فلن أنام، واختتم يومي بشيشة عظيمة، تفوح منها رائحة التبغ النتن والخلطة الكريهة، ولا أذكر يوما أنني سعلت، ولا أعرف شيئا يسمى "الكحة"، وانزعج جدا من أولئك الذين يسعلون أمامي، وأقول لنفسي: كيف يصدر هؤلاء البشر هذا الصوت الفج القبيح "من وين يخرجونه"! وأنام 4 ساعات فقط في اليوم، وأنهض أنا والعصافير معًا.

انتهى كلام الرجل الفوضوي المترهل السمين، والذي تجاوزت سنوات عمره الستين.

طبعا، هذه الازدواجية ليست جديدة وليست غريبة، لأن الصحة والمرض مثل الحمق والذكاء أيضاً هي مسألة تغشاها الأسرار وموضوع تعلوه الاستفهامات وعلامات التعجب الكبيرة الهائلة.

 

فلو نظرنا إلى العالم من حولنا لوجدنا أن الأذكياء والموهوبين يعيشون حياة تعيسة وفشلًا دائمًا وفقرًا وبؤسًا متواصلًا في حياتهم، بينما ترى الحمقى والأغبياء هم من يتحكمون في زمام العالم ويتربعون في القمم ويقودون المؤسسات والشركات الكبرى، وتمتلئ أرصدتهم بالأموال والمجوهرات، وهذه الصورة القبيحة النشاز وغير المنطقية بالمرة هي السائدة؛ لأن اللامنطق غالبًا هو منهج العالم والإعوجاج هو فلسفة الحياة الدنيا.

فالصحة منطقيًا مرتبطة بالرياضة ومعدل النشاط، والمعروف طبيًا أن الرياضة تعني الصحة، والكسل والخمول يساوي المرض، لكن هذا ليس صحيحًا بالمطلق!

هنا لا بُد أن أتذكر قول الممثل الأمريكي الشهير أل باتشينو، حيث قرأت له قولا عجيبا، قال: "إذا مارست الرياضة، ولم تسكر، ولم تدخن، ستموت صحيحا، وإذا دخنت وتناولت الكحول وأكلت الأخضر واليابس ولم تمارس الرياضة أبدا، فستموت في نفس العمر ولكن بصحة أقل".

قضية الصحة والمرض قضية غريبة بالفعل، فليس كل إنسان يلتزم بنظام غذائي ورياضي صحي يعيش قويا، وصحيحا، وليس كل من لا يمارس الرياضة ولا يلتزم بنظام غذائي صارم يعيش مريضا، سقيما.

تشعر من خلال مشاهداتك في الحياة أن هناك شيئًا آخر يتدخل في هذه القضية العجيبة.

الصحة هبة من الله مهما خالطها عدم التزام أو فوضى سلوكية وحياتية ونظام غذائي سيئ وعشوائي، والصحة غالبا مرتبطة بالجينات؛ وهذا الجين البشري لغز سماوي عجيب خارق.

هناك بشر يتمتعون بالصحة والقوة طوال أعمارهم المديدة؛ لأن الله منحهم جينا صحيحا وقويا، وعنيدا. وهناك بشر يعيشون متأخرين صحيا، مترنحين بدنيا كلما كبروا وتقدموا في العمر؛ لأن الله منحهم جينًا ضعيفًا، وهزيلًا وهشًا.

الجينات هي سر الصحة، وشفرة القوة الجسدية، وليس الرياضة، والحذاء الرياضي، وصالة الحديد، والدراجة الهوائية، ولا استبعد أن هناك علاقة لصيقة ووثيقة جدا بين نوعية الجين وطبيعة الحظ. الحظ ذلك الطائر الضبابي السديمي الذي يحلق بك في سماوات زرقاء ويقفز بك راقصا بين ألوان قوس قزح الساحرة.

نعم الجين والحظ وليس الرياضة، الرياضة عامل مهم جدا للحفاظ على الصحة ولكنها ليست العامل الأبرز والحاسم.

وهناك بشرٌ يعيشون بيننا لا يوجد معهم حذاء رياضي ولا قميص رياضي، ولا شورت، ولم يرتدوا جوربا طوال حياتهم، لكن صحتهم أفضل من صحة الكثير من الرياضيين وأصحاب الأحذية والقمصان ومرتادي الصالات الرياضية.

حقيقة لم أصادف في مجتمعي رياضيا معروفا عاش عمرا مديدا، كلهم يموتون في سن متقدمة جدا أو ينتفخون بالأمراض بشكل لا يمكن وصفه. فكم من رياضي مات بسبب جلطة قلبية، أو سكتة دماغية، وتوقف قلبه فجأة.

بينما دائما تصطدم وترى أولئك الكسالى السمينين النهمين، الخاملين من تجاوزوا الثمانين والتسعين عاما، كأنهم سلاحف عظيمة، يدبون في الأرض بكل عناد، وبصحة جيدة وملفتة للنظر.

وفي الختام.. مارِس الرياضة، لا تدخن، لا تأكل الخبز اللذيذ والرز الشهي واللحم اللذيذ، واحرم نفسك من السكريات والفطائر الممتعة الرائعة، وستموت وأنت رياضي ورشيق.

تناول كل ما تحبه نفسك وتشتهيه، ولا ترهق عضلة قلبك بالجري والرياضة، ولا تحرق دهونك في صالة مغلقة، وستموت إنسانا "لا رياضيًا".

وبين الموت والحياة أسرار لا يعلمها العلم، ولن يكتشفها الطب والتكنولوجيا، إنها من الأسرار الإلهية الغامضة داخل الجسد البشري الغامض.