د. محمد بن عوض المشيخي **
الطرق الإسفلتية التي تقام على الدراسات العلمية والمعايير الدولية، وتنفذ من قبل شركات قوية، تملك الإمكانيات والخبرات ذات المواصفات العالمية، تعد شريان الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياحية في أي بلد في العالم، لما ذلك من إيجابيات على السياحة الداخلية التي ترفد الاقتصاد الوطني بمئات الملايين من الريالات العمانية، وكذلك الجوانب الاجتماعية المتعلقة بالتواصل الإنساني بين أفراد المجتمع العماني في مختلف مناطق السلطنة وتقوية الروابط الأسرية بين ولايات السلطنة وعلاقاتها بعضها ببعض، من ضلكوت إلى مسندم، فضلاً عن نقل البضائع والكماليات والمواد الغذائية الأساسية من الموانئ العمانية؛ مثل صلالة وصحار والدقم إلى مختلف المدن والمحافظات البعيدة عن هذه الموانئ المهمة التي تسقبل السفن العملاقة من القارات الخمس من الشرق والغرب.
وبالحديث عن أهمية هذا القطاع الحيوي في التنمية الاقتصادية، فقد خطت السلطنة خطوات متقدمة في بناء وتطوير شبكة الطرق الوطنية في مختلف مناطق السلطنة منذ بداية النهضة العمانية المتجددة في مطلع سبعينيات القرن العشرين وحتى الآن، على الرغم من وجود تضاريس صعبة وسلسة جبال عالية تعانق السحاب في كل من سمحان والاخضر وشمس والقمر، لكون عمان بلد مترامي الأطراف. فالسلطنة اليوم ضمن أفضل 25 دولة في العالم في مجال جودة الطرق، حسب بيان وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في هذا العام 2022.
وبلغ طول الطرق المسفلتة التي تربط المحافظات العمانية بعضها ببعض عام 2019 أكثر من 16000 كيلومتر، في المقابل هناك ما يقارب 17000 كيلومتر من الطرق الترابية. ومن أهم إنجازات هذا البلد العزيز أكتمال شبكة الطرق الساحلية في جميع مناطق السلطنة؛ باستثناء طريقي الباطنة الساحلي الذي لم يكتمل حتى هذه اللحظة؛ على الرغم من مرور أكثر من 16 سنة على بداية تنفيذ المشروع بسبب التحديات التي واجهت هذا المشروع العملاق الذي ارتبط بتعويضات المواطنين الذين تقع مساكنهم على هذا الطريق، وكذلك عدم نجاح الجهات الحكومية المشرفة على المشروع في وضع الدراسات الاستشارية الصحيحة وإسناده من البداية لمن هو جديرا بذلك من الشركات الجادة في مجال بناء الطرق.
أما مقترح مشروع طريق "المغسيل- ضلكوت" الساحلي الذي يبلغ طوله 60 كيلومترًا، فلم يكن بجديد؛ بل كانت فكرة شق هذا الطريق حاضرة طوال العقد المنصرم من خلال مناقشة المجلس البلدي في محافظة ظفار ومكتب معالي السيد المحافظ وشيوخ وأعيان ولايتي رخيوت وضلكوت، الذين يناشدون باستمرار الحكومة الرشيدة ممثلة في وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، وأصحاب المعالي رئيس وأعضاء مجلس المناقصات بالتعجيل بإسناد هذا المشروع الحيوي للسياحة الداخلية والخارجية، وكذلك للمواطنين القاطنين في المنطقة الغربية من محافظة ظفار إلى إحدى الشركات العالمية التي لها خبرة في بناء وشق الطرق الجبلية والأنفاق والجسور ذات المواصفات الدولية.
ولا شك أن هذا المشروع إذا ما رأى النور سوف ينقل السياحة في السلطنة نقلة نوعية؛ فهناك العديد من الشواطئ الجميلة ذات المناظر الخلابة التي تسحر ألباب الناظرين في مختلف فصول السنة، وقد حان وقت استغلالها في إطار رؤية "عُمان 2040" التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل ومضاعفة الناتج القومي في قطاع السياحة، خاصة الفزائح وحوطة الشيخ عثمان ورخيوت التي تعد بالمجمل مواقع مثالية لإقامة منتجعات سياحية وشاليهات لاستقبال الأفواج السياحة الشتوية من مختلف دول العالم، فضلاً عن مرتادي خريف ظفار في موسم الأجواء الحارة في شمال السلطنة ودول الخليج العربية. ويمكن تحويل موقع خيصة (خرفوت) الذي أصبح محمية إلى متحف طبيعي بعد ترميم المباني القديمة المطلة على بحر العرب، إذ لا يمكن الوصول إلى هذه المنطقة التي يأتي المغامرون من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لزيارتها مشيًا على الأقدام أو عن طريق البحر نظرًا لأهمية (خرفوت) وموقعها الاستراتيجي الفريد في كتابات الرحالة والمستكشفين الجغرافيين عبر التاريخ.
لقد تابعنا طوال السنوات القليلة الماضية زوار خريف صلالة من دول مجلس التعاون وخاصة رواد وسائل التواصل الاجتماعي الذين يحظون بمئات الآلاف من المتابعين، عند نقلهم المشاهد والصور الرائعة والتي لا مثيل لها في أي مكان في العالم، وذلك من مرتفعات (شعت ورأس ساجر) في جبل القمر التابع لولاية رخيوت، حيث تعانق أمواج المحيط الهادرة الخلجان الرملية والجبال الخضراء الشامخة التي تتجاوز سويسرا أوروبا في جمال طبيعتها الأخاذ.
صحيح هناك طريق جبلي وعر تم تنفيذه في الثمانينات من القرن الماضي لربط ولايات المنطقة الغربية من المحافظة بمدينة صلالة عبر عقبة (قيشان) ذات المنحنيات والارتفاعات الشاهقة، ولكن ما زال هذا الطريق يشكل هاجسًا وسدًا منيعًا للكثير من الناس عند تفكيرهم بزيارة ولايتي رخيوت وضلكوت، فهذا الطريق الذي نفذته الشركة البريطانية المتخصصة في شق الطرق الصعبة (بلفور بيتي) تم تصنيفه أعلى ثاني طريق في الشرق الأوسط من حيث الارتفاع والصعوبة في التنفيذ، وذلك بعد طريق (العلا) الذي يربط مكة المكرمة بمدينة الطائف السعودية.
إن تنفيذ هذا المشروع التنموي المتمثل في الطريق الساحلي الرابط بين ضلكوت والمغسيل، والذي لم يغب يوما عن تفكير أبناء المحافظة، سوف يكون له نتائج إيجابية في عودة السكان من أبناء المنطقة الغربية إلى قراهم وسكونهم التي هجروها منذ عقود للبحث عن فرص العمل والخدمات التي تتوفر في المدن مثل صلالة ونيابة شهب أصعيب.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري