علي بن سالم كفيتان
قالها أحد الشُيّاب بكل حسرة أمامي: "عامِلونا مثل سوسة النخيل وخنفساء النارجيل يا وزارة الزراعة"!
يعاني ملاك الثروة الحيوانية في مختلف محافظات السلطنة بشكل عام ومحافظة ظفار بشكل خاص من تصاعد موجة غلاء الأعلاف والحشائش، وتعمق سياسة الاحتكار التي لا ترحم، وتخبط السياسات الموجهة لهذه الفئة، التي كان آخرها قرار وزير العمل تعمين وظيفة سائقي شاحنات الحشائش، فكل تلك الأسباب تكالبت على المربين، وأصبحوا يئنون تحت وطأتها دون أن يستمع أحد لمطالبهم. فقد ارتفعت أسعار الأعلاف والحشائش الحيوانية لمستويات لا يستطيع معها المربي الاستمرار في مهنة تشغل بال السواد الأعظم من المجتمع الذي جبل على تربية الماشية والحفاظ عليها، فكانت هي صمام الأمان الغذائي في الفترات العصيبة قبل النهضة المباركة. ورغم التطور والفرص التي منحتها الحكومة، ظل العُمانيون يميلون لامتلاك الماشية، حتى وإن كانت غير مربحة اقتصاديًا في بعض الفترات؛ لإيمانهم العميق بأنها ضمان يمكن الاعتماد عليه إذا أصبحت وظيفة الحكومة غير متاحة. وبالفعل، موَّلت الثروة الحيوانية حياة آلاف الأسر ومئات البعثات الدراسية وارتكز عليها الإنسان في وقت الأزمات والمحن خلال الحقب الماضية، وليس من العدل التنكر لكل هذه الأدوار ومحاصرة ملاك الثروة الحيوانية بين موتها أمامهم أو بيعها بأثمان بخسة تحت وطأة الغلاء.
قامت على أنقاض هذه الثروة شركات حكومية اتخذت منها مطية للحصول على التصاريح الحكومية والاعفاء من الضرائب ومنح الأراضي والخدمات دون مقابل، ومن ثم تنكرت تلك الشركات لأهدافها السامية وتوجهت لخندق آخر، فشكَّلت تحالفات مع نظيراتها التي استخدمت نفس المطية (الحفاظ على البيئة وتنمية الثروة الحيوانية)؛ لتزيد الخناق على المربي. والأجدر بنا هنا ذكر أمثلة كي لا يكون الحديث على عواهنه، كما يقولون، فقد تأسست شركة النجد للتنمية الزراعية لتعمل على تغطية حاجة مربي الثروة الحيوانية من الحشائش والمنتجات الاخرى، وبالفعل كانت كذلك لعدة سنوات، حتى تم تأسيس شركة البشائر للحوم، وهما شركتان يفترض أنهما من شركات الأمن الغذائي في السلطنة، ومُنحتا كل الدعم من الحكومة لهذا الهدف؛ فشركة نجد للتنمية الزراعية تزرع الحشائش على مساحات شاسعة وترويها من المخزون الاستراتيجي المائي في النجد، وتعاقدت مع شركة البشائر التي تستجلب الأبقار والإبل والأغنام من مختلف أصقاع الدنيا لتمنحها شركة النجد كل إنتاجها من الحشائش التي كانت تصل للمربي.
السؤال هنا: كيف يكون هذا هو الأمن الغذائي؟ ألم يسأل القائمون على شركة البشائر أنفسهم لو حدثت قلاقل معينة في الدول المورِّدة للمواشي، هل ستتدفق لهم الثيران والتيوس وقطعان الإبل بشكل طبيعي؟ ولماذا يتم تجاهل مئات الآلاف من رؤوس الثروة الحيوانية في عُمان يمكن أن تشكل أمنًا غذائيًا حقيقيًا؟ أليست حرب روسيا وأوكرانيا مثالًا كافيًا لنتعلم منه؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تدور في مخيلة كل حريص على هذا الوطن ولا توجد إجابات للأسف!
لكي تعاد الأمور إلى نصابها، نعتقد أنه على شركة النجد للتنمية الزراعية أن تفسخ عقدها مع شركة البشائر وتوجه منتجاتها المدعومة من الحشائش للمربين الذين يئنون تحت وطأة الغلاء والاحتكار، وعلى شركة البشائر للحوم أن تفسخ عقدها مع الشركات الأفريقية وتستقبل اللحوم من المربين العُمانيين مقابل سعر يرضي الطرفين، ويحقق مبدأ الأمن الغذائي الحقيقي، أو أن يتم تحويلها لشركة خاصة لإعادة إنتاج وتصدير اللحوم وتُمنح أرضًا في المنطقة الحرة بصلالة، وتترك عنها قميص الأمن الغذائي الذي تتدثر به للحصول على التسهيلات الحكومية، وهذا ما يجب عمله مع كل الشركات الحكومية التي انحرفت عن أهدافها.
في الحقيقة لم يعد المواطن يعوّل الكثير على هيئة حماية المستهلك، فكل الشكاوى والمطالبات المقدمة لها من ملاك الثروة الحيوانية قوبلت بالتسويف والتبرير غير المقبول، وآخرها المطالبة بوقف ارتفاع قيمة الأعلاف بشكل جنوني، ولم يعد لدى هذه الفئة من المجتمع إلا التوجه للمقام السامي لمولانا جلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- والمخلصين في هذا الوطن وعلى رأسهم معالي السيد وزير الدولة ومحافظ ظفار للوقوف معهم والتقليل من محنتهم.
تمنيتُ من وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه أن تُعيد تعريف الأمن الغذائي وتعمل على غربلة الشركات المنتفعة من هذا البند، بحيث يتم تشجيع زراعة القمح العُماني بالمياه العمانية وفي تربة عُمان الطاهرة، وتستقبل شركات للحوم المواشي العُمانية الطازجة وتوفر شركات الأعلاف والحشائش منتجاتها للمربين بأثمان مدعومة، فيصبح الأمن الغذائي حقيقة قائمة.. وحفظ الله بلادي.