الرؤية- سارة العبرية
لم تزل العادات والتقاليد العمانية والخليجية تحافظ عليها الأجيال الحالية، رغم ما طرأ على الحياة من متغيرات، وشهر رمضان يعد واحدًا من شهور السنة التي تشتهر باستعادة الناس فيه للعادات التراثية، في مناسبة لا تتجدد إلا مرة واحدة كل عام.
ومن بين هذه العادات، عادة "الغبقة" وهي عادة تراثية خليجية يحرص عليها أهل الخليج في ليالي شهر رمضان، وأصل الكلمة عربية، ومستمدة من حياة البادية وأصلها "غابوق"، وتقام بعد صلاة التراويح ما بين الساعة التاسعة وحتى الثانية عشرة ليلاً، وتجمع الأهل والأصدقاء وكذلك الجيران على تناول أشهى الأطعمة في الفترة التي تلي صلاة التراويح وتسبق وجبة السحور.
و"الغبقة" من العادات الرمضانية العريقة التي ما زالت موجودة في المجتمع الخليجي، وذلك لتعزيز التعارف والتماسك الاجتماعي، وتبقى الغبقات الرمضانية تحمل جوا جماعيا بنفحات الشهر الفضيل بكل ما فيه خير وبركة وثواب، وتعتبر من العادات والتقاليد القديمة الموروثة من الأجداد، وجرت هذه العادة إقامة غبقات خاصة للرجال وأخرى للنساء والأطفال، وتلتزم النساء عند إحياء "الغبقة" بارتداء اللباس الخليجي التقليدي وإبراز النواحي التراثية في الغبقة.
و"الغبقة" عبارة عن عشاء رمضاني يتخلله تقديم أصناف متنوعة من المأكولات الشعبية الخليجية المشهورة مثل: "الثريد" عبارة عن خبز مفتت ولحم ومرق "والهريس" وهو قمح مطحون مع لحم أو دجاج، إضافة إلى وجبة "المُحمر" المكونة من الأرز المطبوخ بخلاصة التمر والسمك المقلي.
ولوحظ مائدة "الغبقة" في الوقت الراهن دخلت عليها الأطباق الغريبة وأنواع الحلويات الخليجية والعربية والمشروبات الباردة والساخنة، وما زالت تلك الأطعمة التراثية حاضرة في غبقات المنازل والمجالس.
ويقول الباحث الكويتي عبدالله الكندري "إن كلمة "الغبقة" تطلق على طعام الليل واعتاد عليها الخليجيون منذ سنين، وكانت سابقاً عبارة عن لقاء الأقارب والجيران للتهنئة بالشهر الفضيل وكان الطعام عبارة عن مأكولات خفيفة وليس كما يحدث الآن من إعداد لوائم كبيرة تصرف عليها مبالغ كبيرة للتفاخم".
ولا تقتصر إقامة الغبقات في البيوت بين العائلات والأقارب؛ بل انتقلت إقامتها إلى الفنادق والخيام الرمضانية والمؤسسات الخيرية، إلى جانب إقامة بعض الألعاب الشعبية والمسابقات وإحياء بعض الأغاني الشعبية. وتحرص الفنادق في إقامة الخيام الرمضانية التقليدية التي تصمم خصيصاً لشهر رمضان بطابع تراثي، ويقدم فيها أنواع الأطعمة التراثية الخليجية. وتؤمن العائلات وكبار السن بأن هذه العادة تمثل الكرم والضيافة عند الخليجيين، وهي علاقة اجتماعية كريمة تتناسب مع العديد من الأشياء بما يليق للضيوف، وتكون دورية بين أبناء "الفريج" الأحياء؛ بحيث تكون المائدة كل يوم عند فرد حتى نهاية شهر رمضان.