هل الصين في حاجة إلى انتصار روسيا؟

 

 

 

هوامش علي النتائج المستقبلية للحرب

د. رفعت سيد أحمد

مع استمرار حرب روسيا مع حلف الناتو على الأرض الأوكرانية تتعقد الدوائر وتختلط الأهداف وتتنوع زوايا الحدث بأطرافه وصُنّاعه، وفي هذا الأتون الساخن من الأحداث تأتي الصين كرقم صعب في المعادلة الحربية الدائرة رحاها.

ومنذ بداية هذه الحرب أكدنا أنَّ أحد مستهدفاتها الغربية والأمريكية هي الصين تلويحا وتهديدا، وليس روسيا فقط وقلنا في دراسة سابقة أن الحرب واقعا مع روسيا ولكن العين (أو الهدف) هو على الصين، فماذا جرى وما زال يجري حول الصين ومعها في هذه الحرب؟

أولًا: تحت عنوان مُثير له دلالات ذات معنى كتب قبل أيام رئيس مجلس خبراء اللجنة الروسية الصينية للصداقة والسلام والتنمية، يوري تافروفسكي، تحليلا مطولا يحمل عنوان "الصين بحاجة إلى انتصار روسيا" حول عملية مالية خاصة تجري بالتزامن مع العملية العسكرية الروسية. وجاء في المقال: خلال خطاب ألقاه في بولندا، قدم الرئيس الأمريكي جو بايدن عدة رسائل سياسية مهمة أعدها خبراء استراتيجيون في البيت الأبيض. إحداها، في رأيي، وهي الأهم، أن الغرب بحاجة إلى الاستعداد "للصراع الطويل القادم بين الديمقراطيات والشموليات". معنى الموقف، أولاً، أن الحرب لن تنتهي بانتهاء العملية الروسية في أوكرانيا؛ وثانيا، أن خصم الغرب في المواجهة العالمية ليس روسيا وحدها، إنما الصين، لأنها تتصدر قائمة الدول الاستبدادية.

الآن، لا تتعاطف الصين مع روسيا فحسب، إنما تدرس أيضًا مسار العملية العسكرية بعناية، فأحد الدروس المهمة بالنسبة للصين هو تجميد احتياطيات النقد الأجنبي الروسي في الولايات المتحدة والتي تقارب 300 مليار دولار.

وقد كتب مؤسس شركة "ألبين ماكرو Alpin Macro" في هونغ كونغ، وكبير استراتيجييها، تشين تشاو، في صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست": "لقد زعزعت العقوبات المالية ضد روسيا المفاهيم والمبادئ الأساسية بعمق. فقد أظهرت هذه الإجراءات أنَّ أصول خصوم الغرب المالية لم تعد آمنة، ويمكن مصادرتها أو تحويلها إلى أسلحة دمار مالي". ويرى تشاو أن السحب الجزئي للدولار من الولايات المتحدة إلى الذهب والعملات الأخرى، كالذي قامت به روسيا مسبقًا، لا يحل المشكلة بالنسبة للصين. فقيمة كل الذهب في العالم المتاح للمعاملات المالية تبلغ فقط 4.6 تريليون دولار.

المَخرج وفقاً للخبراء الاستراتيجيين الدوليين في هذا المجال من الوضع الخطير يتجلى في السحب التدريجي للأصول من أمريكا، وزيادة الاستثمارات في البلدان الأخرى، والتخلي عن الدولار في مزيد من العمليات التجارية. ومع ذلك، يشكل اليوان اليوم 3% فقط من الاحتياطيات العالمية. فقط العمل المنسق مع روسيا والهند والبرازيل وفنزويلا والمملكة العربية السعودية وإيران والضحايا المحتملين الآخرين لسياسات المصادرة الغربية يمكن أن يكون حلاً لمشكلة الأمن المالي.

وبالنسبة للمسؤولين الصينيين ليس من المستغرب أن يُنظر إلى قرار روسيا بقبول الدفع مقابل مواردها من الطاقة بالروبل بوصفه "جبهة ثانية" في مواجهة الهيمنة الأمريكية، و"عملية مالية خاصة" على نطاق عالمي. والصينيون يوافقون علي ذلك ويتمنون انتصار روسيا في هذه الجبهة لأنها ستؤمن مصالحهم لآماد بعيدة هكذا تقول القراءة الصينية.

ثانيًا: وفي موازاة هذه الرؤية الصينية لأهمية انتصار روسيا في الحرب لحماية مصالحها الاقتصادية العالمية من التوحش الأمريكي ضدها والذي تستشعره القيادة الصينية وتتخوفه؛ جاء وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ليعلن يوم 11 أبريل 2022 أن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا تهدف لوضع نهاية لمسار الولايات المتحدة للهيمنة على العالم، مؤكدا ومؤيدا الصين في مخاوفها وأهدافها. وقال لافروف عبر قناة روسيا 24: "عمليتنا العسكرية الخاصة تهدف لوضع نهاية للتوسيع والنهج المتهور لهيمنة الولايات المتحدة الكاملة على العالم والدول الغربية التابعة لها في المحافل الدولية". وأكد وزير الخارجية الروسي أن بلاده ومعها الصين لن تخضع للغرب أبدًا. وأضاف لافروف: "روسيا، بما تملك من تاريخ وعادات، تعد واحدة من تلك الدول التي لن تحتل موقع التبعية. يمكننا فقط أن نكون أحد أعضاء المجتمع الدولي بشروط متساوية من الأمن غير القابل للتجزئة".

في هذا المعني الذي أكد عليه وزير الخارجية الروسي، تلتقي الدولتان العظميان روسيا والصين وتتحالفان ضد واشنطن كل بأدواتها الناعمة والخشنة.

ثالثًا: الصين في حاجة إلى انتصار روسيا لأن لها مصالح نفطية ومصالح غاز فهي من أهم مستوردي النفط والغاز الروسي وانتصار روسيا يفيد الصين ويؤمن حاجتها من النفط والغاز ووفقاً للدراسات المحايدة ومنها دراسة مهمة للباحثة الدكتورة فردوس عبد الباقي بوحدة الدراسات الآسيوية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الذي يرأسه المفكر الاستراتيجي والأمني المتميز د. خالد عكاشة وحملت عنوان: "تعظيم المكاسب.. الموقف الصيني من الحرب الروسية الأوكرانية"، وجاء فيها أن روسيا ثالث أكبر مورّد للصين من النفط المنقول بحرًا، ووصلت وارداتها في يناير 2022 إلى 811 ألف برميل يوميًا. ومن حيث الإجمالي، تعد روسيا ثاني أكبر مورد نفطي للصين؛ إذ استوردت الصين أكثر من 15% من صادرات الخام الروسية، وتم نقل 40% من هذه الواردات عبر خط أنابيب "إسبو". وبالنسبة للغاز، تعد روسيا ثالث أكبر مورد للغاز إلى الصين؛ إذ صدّرت 16.5 مليار متر مكعب من الغاز للصين في عام 2021، بما يعادل حوالي 5% من الطلب الصيني. وتعد روسيا ثاني أكبر مورد للفحم للصين.  وجاء في الدراسة أيضاً أنه في أواخر فبراير عام 2022 بعد توقيع كل من شركة "غازبروفود سويوز فوستوك" لأنابيب الغاز الخاصة و"غازبروم برويكتيروفاني"، اتفاقية لتنفيذ أعمال التصميم والمسح كجزء من بناء خط أنابيب الغاز "سويوز فوستوك"، الذي سيمتد من روسيا عبر منغوليا إلى الصين، بما سيسمح بإمداد ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويًا للصين، ويأتي كجزء من خط أنابيب الغاز الروسي "باور أوف سيبريا 2"، ومن المتوقع استكمال تصميم خط الأنابيب في 2022- 2023، لتبدأ أعمال بناء المشروع في 2024، ليتم تشغيل خط الأنابيب في 2027- 2028.

هذا التعاون والاحتياج الاقتصادي الصيني لروسيا ومعها يترتب عليه إستراتيجيا رغبة وحاجة الصين للانتصار الروسي في هذه الحرب التي تري الصين أنها بالاساس ليست بين أوكرانيا وروسيا؛ بل بين روسيا ومعها الصين ضد أمريكا وحلف الناتو.. وإذا أضفنا الى المخاوف والأهداف الصينية الاقتصادية مخاوف أخرى تتصل بقضية (تايون) ورغبة الصين التناريخية في ضمها ويقينها السري التاريخي أنها جزء لا يتجزأ من القومية والجغرافيا الصينية وانتصار روسيا سدعم هكذا مطالب وهو ما تعترض عليها كلية واشنطن وتراه تهديدا إستراتيجيا لمصالحهم في هذا الجزء الحيوي من العالم- إذا علمنا ذلك- فإن انتصار روسيا يعد حاجة صينية مهمة للغاية ويضاف إلى ذلك الخوف الصيني من أنه لو هزمت روسيا في هذه المنازلة الدامية، سوف تستدير أمريكا وحلف الناتو ليفتح مع الصين جبهة الانفصاليين في أقاليم التبت والإيجور بكل تفاصيلها ومخاطرها على الامن القومي الصيني. خلاصة القول هنا أن خروج روسيا منتصرة بقوة (أو على الأقل غير مهزومة بالمعني العسكري والاستراتيجي) يمثل حاجة ورغبة صينية إستراتيجية رغم لغة الحياد والوقوف في المنتصف بين أوكرانيا وروسيا التي سادت في الشهور الاولى للحرب؛ فالاقتصاد والنفط والغاز وتايوان وأقاليم الانفصال المتوقعة في التبت والإيجور، كل هذه الملفات ترجح الإجابة القاطعة على سؤال اللحظة: هل الصين في حاجة إلى انتصار روسيا؟

الإجابة المؤكدة من الواقع والمصلحة العليا للصين: نعم هي في حاجة إلى هكذا انتصار.. والله أعلم.