عندما يُخلّد ذِكر عبدالعزيز الفارسي

 

منى بنت حمد البلوشية

 

"أيها القابعون خلف أسوار الألم، ثمَّة ضياء قد تلاشى في الأفق البعيد، مع الرحيل" إنها العبارة التي قالها عبدالعزيز الفارسي رحمه الله، الذي سيُخلد ذِكره كما ستخلد أفعاله وكتبه وحروفه.

عن أي ذكر وأي ثناء سأتحدث؟ رغم أنني لم ألتقِ به ولم أتحدث معه، وجدته بين حروفه التي كتبها وما بين أفواه من كانوا بالقرب منه وما بين مرضاه، حيث وضع بقلبي حزنا ربما على نفسي بعدما يحين عليَّ الرحيل. فعندما غرَّد وتحدث الجميع عن رحيله شعرت بدنو أجلي، فيا ترى ماذا أعددنا وهل سنكون كعبدالعزيز الفارسي. عندما علمت بنبأ رحيله ذهبت لأتفقده، فوجدت نداءاته وأنّاته على مرضاه ومواساته لهم، تفقدته بين ثنايا حروفهم . فأي ذِكر مُخلد هذا الذي تركته في قلوب البشر ولبشاشة وجهك المنير الذي أضاء عتمة كل مرضاك، كنت اليد الممتدة في الظلمة لتخرجهم للنور وتحفزهم لحياة جديدة بكل حب وتفاؤل وتوكل على الله عز وجل. فيا مُر الرحيل الذي يأتي هكذا!

بكت عليك الأرض قبل أن تكتب "تبكي الأرض" أو حتى "زحل"! بكاك كل من عرفك ومن لم يعرفك وساد الصمت وازدادت الأنّات لفقد من هم أمثالك، وكأن ما كنت تكتبه يحكي آلامك وقصة معاناتك. لا أعلم ربما أشعر بما كنت تشعر به من حزن على من كنت تعالجهم وتقف معهم وتمد يد العون لهم. كانت يدك خفيّة لا يعلم بها إلا الله وأنت الذي كنت تعاني من مُر الألم الذي ينتابك ممن كنت بالقرب منهم وربما ألمك الذي لم تكن تود أن تُظهره لهم، فها هو اليوم بان وظهر على الملأ.

أكتب هذه الكلمات والحروف وأعلم بأنها لن تفي بالوجع الذي انتاب الجميع في تلك الليلة والتي بعدها ما بين مذهول وغير مصدق. كنت بلسمًا على الجرح المصاب فعندما تلمسه وكأنك تُبرؤه، كم أتعبتك الحياة حتى تركتها وعادت روحك إلى ربها راضية مرضية.

فعندما كتب سليمان المعمري يوما قائلا: " كل مريض كان معلما لعبدالعزيز كما يقول في شهادته عندما قال: "إنني أتعلم منهم دون توقف، من لغة الجسد والإيماءات، من نظرات العيون، من الدمع، من دقة ملاحظاتهم حول الأشياء الصغيرة التي لم أكن أنتبه لها قبلا، ومن الابتسامات الصادقة حين يستعيدون أنفسهم، ومن إجاباتهم عن الأسئلة التي تخطر على بالي فجأة وأطرحها عليهم دون تردد"، وحتى الكتابة تعلمها منهم من كثرة مجالسته وحديثه معهم فهم كانوا نتاج إلهامهم له وهذا الذي أنا شاهدته وأيقن بأن كل ما كتبه عبدالعزيز ما هو إلا كلماتهم وتأثره بهم، فلو كنت مكانه لأنتجت ما أنتجه ولو سنحت لي الفرصة لفعلت ما فعله عبدالعزيز الفارسي الذي ترك في نفسي ندبة كبيرة فكل راحل يترك في روحي وقلبي نغزة لأتفقد نفسي وذاتي عندما يغزوها الحزن".

أتحدث عن عبدالعزيز الفارسي وكأنني عرفته عن قُرب من خلال ما كتبه الكاتب سليمان المعمري والذي أجد نفسي أيضا بين ما يكتبه، حكاية امرأة مسنة تأبى أن تأخذ الكيماوي إلا من بين يدي عبدالعزيز حيث لا تثق بأحد غيره، وأن تلك المرأة عندما علمت بأنه كاتب وله كتابات في الصحف اليومية كانت لا تسمح لأبنائها أن يفترشوا الجريدة قبل أن يفتشوا من عدم وجود صورته خوفاً من أن يأكلوا على وجهه" قائلة: "لا تأكلوا على وجه عبدالعزيز".

أي حب هذا الذي زرعته في قلب من عرفك ومن لم يعرفك يا عبد العزيز؟! كل ما قرأته عنك وقرأته منك تمنيت لو عرفتك أكثر واستلهمت منك أكثر، فأنت تعلمت من مرضاك ونحن نتعلم اليوم منك، ستظل تلك الوجوه التي كنت لها عونا وسندا تلهج لك بالدعاء، وحتى حروفك ستبقى مخلدة، ربما لم أعطك حقك عما كتبت ولن أعطيك فقد تركت في نفسي شيئًا سيظل محفورا حتى نلقاك هناك في جنة الخلد، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

تعليق عبر الفيس بوك