أوراق.. وإنترنت!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"الإنترنت ليس فضاءً للحرية، العقل وحده فضاء الحرية، وكل ما يعيق العقل يصبح سجنًا له" فيكتور بليفين.

**********

كأي محب للقراءة وكقارئ عادي أمتلك مكتبة منزلية مُتواضعة، ومن المفارقة التي لا أعلم هل هي مضحكة أم مبكية أنَّ عددًا لا بأس به، يصل إلى نصف عدد الكتب لم أقرأها إلى الآن، فقط مررت عليها مرور الكرام، بالطبع لا بُد إن يسر الله لي بالعمر أن اقرأ كل صفحة من صفحات هذه الكتب التي لولا رغبتي الجارفة لها لما ابتعتها، ومنها ما تكبدتُ لها مسافات وأسفارًا حتى قدر الله لي شراؤها، أو حتى إرسالها بتوصيات من دول أخرى. لكن ليس هذا موضوعنا، موضوعنا الذي سبق أن كتبت عنه مقالًا سابقًا منذ سنوات وهو هل ستكون هذه المكتبة إضافة أم عبئًا؟

تجميع العديد من النسخ الورقية لكتب لها نسخ إلكترونية متاحة (وأكثرها مجانًا) قد يعتبره البعض تبذيرا للمال، أو قلة وعي عن مستجدات التكنولوجيا، وهي اعتبارات لها وجاهتها ولا شك إنما هناك أمر بديهي جدًا وسأتساءل ما دام التساؤل متاحا ومجانيا! فلنفترض ولو للحظة لو أن شبكة الإنترنت توقفت فجأة وبلا سابق إنذار، والكتب الورقية غير موجودة (طبعًا قس ذلك على المستندات الرسمية فائقة الأهمية للأفراد العاديين والجهات الرسمية) ما الذي سيحدث؟ كيف سيتصرف الناس؟ من أين نأتي بالمعلومات المطلوبة؟

لا شك أنَّ شبكة الإنترنت اليوم أصبحت ضرورة لكنها ضرورة محاطة بمخاطر عالية في نفس الوقت، يعلم كل متابع لأحوال التكنولوجيا أن اختراق بعض الأجهزة والشبكات أسهل من شرب الماء على الريق لدى أقل المختصين خبرة بالاختراق والهاكنق، فما بالك بعتاة المختصين والمتمرسين!

لذلك فإنَّ الاعتماد الكلي أو شبه الكلي على الإنترنت هو عمل فائق الخطورة وتصرف غير حصيف للتعامل مع التغيرات والظروف، فما تزال النسخ الورقية هي الأهم، فهي ليست مجالاً للاختراق التقني، ولا ترتبط بشاحن كهربائي، ولا بسيرفر يفتح اليوم ويغلق غدًا؛ بل النسخ الورقية تبقى لعشرات السنين إن تمَّ حفظها بالشكل الصحيح وفي بيئة جيدة.

لا أقلل من أهمية التكنولوجيا وقدرتها على تسهيل العديد من أمور الحياة اليومية، لكن الاعتماد عليها بشكل كامل واستخدامها بإفراط دون وجود بدائل يستند عليها هو في الواقع تهور، ومجازفة غير محسوبة، لا تستغرب من هذه الكلمات فأنا أتذكر قبل فترة بسيطة انقطع برنامج التواصل الأشهر عالميًا "الواتساب"، لساعات قليلة فقط، والأدهى أنه وبعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وبعد عدة إجراءات اتخذتها الدول الكبرى وبمشاركة الشركات التقنية الغربية الكبرى ضد روسيا منها إجراءات إلكترونية تعتبر قاسية وفريدة من نوعها وغير مسبوقة خاصة بشأن العقوبات المالية وأنظمة المدفوعات التي تمر عبر قنوات إلكترونية معتمدة على سبيل المثال (التحويلات المالية بنظام سويفت/ البطاقات الائتمانية/ وغير ذلك مما يشابهها) مما تسببت بأضرار بالغة على الاقتصاد الروسي وعلى الشركات الروسية خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي تعتمد على التكنولوجيا المالية بشكل رئيسي.

لذلك انتشرت تحليلات في الكثير من محطات الأخبار العالمية بأن موسكو قد ترد على هذه الإجراءات بقطع الكابلات البحرية التي تعتمد عليها اليوم شبكة الإنترنت وتغطي العالم بأسره مما يعني بالتبعية توقف الإنترنت عن العالم، تصور ما الذي سيحدث للعالم بدون شبكة الإنترنت التي نعرفها وكيف ستنهار المؤسسات المالية والبورصات العالمية التي تنقل المليارات من التداولات والعمليات البنكية يومياً عبر شبكة الإنترنت، تصور أن كل شيء يمر عبر إجراء إلكتروني توقف بشكل مفاجئ، سأبسطها أكثر تخيل إنك ذهبت لجهاز السحب الآلي للبنك لسحب مبلغ مالي وبسبب انقطاع الإنترنت فإن الجهاز لا يعمل، أبسطها أكثر قليلاً تصور بأنك ترغب بطلب وجبة من أحد المطاعم ولا تستطيع ولا حتى دفع قيمة تلك الوجبة إلكترونياً بسبب توقف الإنترنت، لن تستطيع دفع قيمة وقود السيارة عبر جهاز الدفع بسبب أنه لا يوجد إنترنت، الأمر جداً صعب لأن التكنولوجيا تغلغلت وتدخلت في جميع جوانب الحياة وأصبح الاعتماد عليها كالاعتماد على الماء والكهرباء!

إن الاعتماد الكلي على التكنولوجيا دون القيام بوضع بدائل استراتيجية تحل محلها في حالات الطوارئ يجعل الدول تتوقف بشكل مفاجئ !

غير أنَّ الخبر السار أنني ما زلت في حال توقف الإنترنت وقطع روسيا للكابلات البحرية، قادرا على قراءة كتبي الورقية !

أثناء التحضير لهذه الكلمات وجدت كلمة للباحث في جامعة ميشغان بالولايات المتحدة ويليام داتون، وهو مؤلف كتاب "المجتمع والإنترنت"؛ حيث يقول: المشكلة أن النَّاس الآن لا يمكنهم تصور انقطاع الإنترنت، إلا أنهم لا يدركون مدى تغلغل الإنترنت في كل جوانب حياتهم تقريبًا. (1)

**********

المصادر:

  1. مقال: ماذا يحدث لو تعطل الإنترنت ليوم واحد؟ الكاتب:  راشيل نوير، على موقع BBC الإلكتروني، 20 فبراير2017.