تناغم الكلمة والتقنيات البصرية بين الرواية والسينما

 

طاهرة علي الهديويّة

ولدت السينما بعيدًا عن الأدب، هذه حقيقة ثابتة في أصل العلاقة بينهما، فقد تشكلت بدايات السينما في العالم من خلال ثلاث مخترعات اللعبة البصرية، الفانوس، التصوير الفوتوغرافي في عام 1895 قد تمكن الأخوان لومير من اختراع أول جهاز يُمكن من عرض الصور المتحركة على الشاشة من هنا بدأت صناعة السينما وظلت صامتة.

وكان أشهر رواد السينما الصامتة "شارلي شابلن"، مع بدايات السينما الصوتية والناطقة ظهر دور الراوية جليا، من خلال الاستعانة بالروائيين التي ارتبط دورها مع السيناريو المكتوب في السينما وكان أشهر الروائيين في ذلك الوقت "جون ستاينبك" يبدو أن العلاقة مترسخة ما بين السينما والرواية.

الرواية أكثر عمقا وتحليلا؛ فهي تدخل إلى عقل القارئ من خلال الكلمة وتبحر بخياله لتكوين الصورة، كذلك الأمر في السينما المخرج يقوم بعمل عصف ذهني ليقوم بإخراج صورة بصرية لعين المشاهد كلا الجانبين فيهما صورة الأول مقتبسة من كلمات الروائي للقارئ والصورة،  الأخرى مقتبسة من جهد المخرج،  لعين المشاهد  مباشرة لتلمس قلبه، الرواية أكثر عمقاً وتحليلية، لذلك الأمر استعان المخرجون وشركات الإنتاج بالروايات من أصحابها الأدباء، التي تستحق أن تتحول لفيلم.

وخير مثال على ذلك روايات السينما قدمت أعمالا فنية مقتبسة عن روايات ذات قاعدة جماهيرية كبيرة كما هو الحال بالنسبة لروايات نجيب محفوظ، فروايته "خان الخليلي" التي نشرت في عام 1945 والتي تدور أحداثها حول الأخ الأربعيني الذي ينتقل مع أسرته من حي السكاكيني إلى حي خان الخليلي، بعد تنازله عن حلمه لإكمال دراسته ليعمل موظفاً يرعى شؤون عائلته، فحولها فيما بعد المخرج محمد مصطفى سامي إلى فيلم تم إنتاجه عام 1966. كذلك رواية "ثرثرة فوق النيل" للكاتب ذاته نشرت عام 1966 والتي حولها المخرج حسين كمال إلى فيلم عام 1971. ومن أشهر الروايات العالمية رواية "هاري بوتر" للروائية البريطانية جي كي رولينج؛ حيث تعد من أكثر الروايات التي اكتسبت شهرة وصيتًا كبيرًا بعد إصدار سلسلة من الأفلام لرواية ذاتها وذلك في عام 2001.

العلاقة بين السينما والرواية تناغمية، وجوهر العلاقة بين الطرفين الكتابة، ناهيك عن تقارب المتعة الثقافية بينهما فكلاهما يخرج لنا الفن بطريقة مختلفة، وكلاهما يتناغم بطريقة منسجمة فنجاح الأفلام السينمائية المقتبسة عن روايات أدبية شجع الجماهير على العودة إلى الروايات الأصلية مما أدى إلى اتساع رقعة القراء، وفي المقابل نجاح الروايات دفع المنتجين لإنتاجها وتحويلها إلى صورة متحركة  ليتعاظم النجاح السينمائي ومنها يتفاعل الروائي والسينمائي لترقية المشهد الثقافي، طبعا هناك روايات عربية تحولت لأفلام مع الحفاظ على جمالية الكتابة الأدبية فيها، والتي لم تفقد قيمتها بعدما تحولت لأفلام سينمائية، فالفيلم ترك بصمة والرواية أيضاً، فكانت الرواية وفن الأدب الروائي هو حجر الأساس ونقطة الانطلاق، والوعي للمخرجين  أثناء تنفيذ العمل السينمائي، فالرسالة التي حصلت عليها من الفيلم، الرواية هي من سطرته.

 ومن أشهر الروايات العربية التي تحولت لمشهد سينمائي "رواية الأرض"، لكاتبها عبد الرحمن الشرقاوي، التي تحولت لفيلم سينمائي عام 1969 وهي رواية رفعت من أسهم الروايات العربية في ذلك الحين. لطالما كانت قضية عبد الرحمن الشرقاوي الأولى هي الدفاع عن الحقوق والظلم خاصةً الواقع على الفلاحين، فأتى بهذا العمل ليمجد الفلاح ويمجد أصله، وكذلك "تراب الماس" لكاتبها أحمد مراد؛ حيث تم إنتاج الفيلم عام 2018، كذلك الرواية الشهيرة "عمارة يعقوبيان" للروائي علاء الأسواني وتم إنتاجها فيلمًا عام 2006، وما زالت العلاقة مستمرة رغم الفروقات الفاصلة بين السينما والرواية.

تعليق عبر الفيس بوك