علي بن سالم كفيتان
تظل صحار هي بوصلة البوسعيديين؛ فمنها انطلق الإمام المؤسس أحمد بن سعيد ليُعيد ترتيب أوراق الأمة العُمانية ويُعلن ميلاد إمبراطورية عربية وصل صداها إلى مختلف أصقاع الدنيا، لذلك عندما يكون حديث حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- من صحار، مهد الدولة البوسعيدية وحصنها الأول، يتفاءل العُمانيون خيرًا بانفراج الأزمات وحلول المكرمات.
ولا شك أنَّ الحديث الأبوي لجلالة السلطان- رعاه الله- في بيت بهجة الأنظار بولاية صحار، كان صريحًا وواضحًا مع شعبه، فالحديث عن تراجع المديونية العامة للدولة واحتمال انقضائها قبل المدة المُحددة ومنح الفائض المالي لمشاريع تنموية إضافية على الخطة الخمسية العاشرة المعتمدة، وانفراج الإنفاق العام، كلها بشارات خير لتحسن الأداء المالي وانعكاس ذلك على أداء القطاع الخاص الذي تراجع كثيرًا خلال العامين الماضيين.
ومثلما انفرجت أسارير القطاع الخاص بعودة المشاريع والمناقصات الحكومية، يأمل المواطن البسيط الذي لا يحتكم إلا على راتبه المحاصر بالغلاء والبطالة، أن ينوله شيئًا من "نافورة" النفط التي تخطت الـ100 دولار؛ فهو لا يمتلك شركة ليدخل في المناقصات المليونية وفي الغالب لن ينوله شيئًا من تلك الملايين التي سوف تذهب لجيوب التجار، ولذلك نظرته هي للريالات التي تنزل في آخر كل شهر في حسابه كراتب لتتخاطفها البنوك وشركات الخدمات العامة. ومن هنا ما زال المواطن ينتظر زيادة علاوة بدل غلاء المعيشة وتسريع وتيرة الترقيات المتأخرة منذ 10 سنوات، فربما تنوله بضع ريالات يستعين بها على نوائب الدهر التي تكالبت عليه، بينما الباحث عن عمل يؤمل النفس ببدل شهري يعينه حتى يجد الوظيفة، فمهما كان هذا المبلغ يسيرًا، إلّا أن صداه في النفس سيكون كبيرًا؛ فصندوق الأمان الوظيفي الذي يقتطع من كل موظفي الدولة جزءًا، حريٌ به أن يقدم مثل هذه المبادرات ولا ينحصر دوره فقط على المسرحين من العمل باشتراطات تعجيزية في بعض الأحيان!
كان حديث جلالته- رعاه الله- هادئًا ورسم الكثير من الأمل في شتى ربوع عُمان، ولعل المتابع يرى تأكيد جلالته على دور الشيوخ مع أعضاء المجلس البلدي والشورى والمحافظين، وهنا نضع مقترحًا أمام مجلس المحافظات بأن يشمل قانون شؤون المحافظات المرتقب إنشاء مجلس للشيوخ في كل محافظة، يقوم بانتخابه الشيوخ أنفسهم بالاقتراع المباشر، وتُحدد له فترة توازي فترة مجلس الشورى والمجالس البلدية، وبهذا يكون مجلس كل محافظة مكونًا من أعضاء المجالس الثلاث المنتخبة: الشورى والبلدي والشيوخ، ويرسمون مع المحافظ خطة التنمية لكل محافظة، ويُمنحون صلاحيات إسناد مشاريع التنمية الممنوحة لتطوير المحافظات التي خصصها المقام السامي في إطار رؤيته لتفعيل مبدأ اعتماد المحافظات على مواردها وكوادها بعيدًا عن الحكومية المركزية. وعند نجاح التجربة قد يُمنح هذا المجلس اختصاصات إضافية كحق منح الأراضي الإسكانية والاستثمارية ورسم سياسات التعليم والصحة والبيئة وغيرها؛ ليكون الإنسان شريكًا حقيقيًا في صناعة القرارات التي تعنى بقضاياه اليومية.
لقد كانت لمحافظة ظفار تجربة رائدة منذ بداية السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي؛ حيث كان الوالي آنذاك (المحافظ اليوم) هو المسؤول الأول عن المحافظة من كل النواحي المدنية والأمنية، فكان الشيخ بريك بن حمود الغافري- عليه رحمة الله- أول من كُلف بهذه المُهمة؛ حيث كانت كل المناقصات تصدر من مكتب الوالي، وجميع مديري العموم يتبعون للوالي وفق هيكلية لا مركزية؛ فتسارعت الخدمات ونُفذت المشاريع دون تأخير، وزاد رضا المواطن وقلَّ سخطه. ولعل تجربة خلق فرص العمل لكل محافظة وتنافس المحافظين على إدارة سوق العمل في محافظاتهم ستُفضي لنتائج أفضل من النهج الحالي، فلو نظرنا لبيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات نجد أن هناك محافظات بها مقدرات وفرص هائلة، ومع ذلك تظل بعيدة من حيث التنمية، عن المحافظات الأخرى المُولِّدة للفرص، ويعاني أبناؤها البطالة والفقر، في حين أن المحافظات المُولّدة للفرص والناجحة اقتصاديًا يخضع أبناؤها لتنافس غير عادل، ومن هنا يجب التفكير بعمق في توظيف الإمكانيات الاقتصادية لكل محافظة، وأن تُمنح الأولوية لأبناء تلك المحافظة في التوظيف والاستثمار، بحيث يُحسب النجاح في الاستغلالية عن المركز وتوليد فرص العمل والاستثمار لمجلس المحافظة التي تحقق نجاحًا أكبر في هذا الشأن.
لامسنا تحسنًا في الملف الإعلامي الذي نقل حديث جلالة السلطان مع مشايخ شمال الباطنة والظاهرة والبريمي، ورغم انتقاد البعض لانتقاء بعض المداخلات دون غيرها، إلا أننا سمعنا صوت المشايخ وهم يتحدثون عن بعض الهموم الوطنية التي استجاب لها جلالته- رعاه الله- ونُؤكد على أهمية نقل الرأي والرأي الآخر، مهما اختلفَ معنا؛ لأنه يُثري الحوار ويمنحه الجدية والمصداقية... وحفظ الله بلادي.