خليل بن عبدالله الخنجي **
يُذكرني ارتفاع أسعار السلع الأساسية هذه الفترة بالعام 2007، عندما ارتفعت أسعار السلع الأساسية من مواد غذائية مثل الأرز بنحو 200% بسبب الجفاف الذي عمّ دولتي الهند وباكستان، أكبر مُصدِّريْن للأرز إلى عمان، وتبع ذلك ارتفاعات متفاوتة في أسعار كثير من السلع.
حينها هرعت وتسابقت الحكومات- ومنها عمان- إلى شراء كميات كبيرة من المواد المصنفة لدى الاحتياطي الغذائي بالأساسية وذلك تحسبًا لانقطاع تلك المؤن إلى البلاد. من ناحية أخرى كانت غرفة تجارة وصناعة عمان تعقد ورش عمل متتالية لمعرفة أسباب ارتفاع السلع المنتجة محليًا أو المستوردة من الخارج بمختلف أنواعها، وذلك بغية مساعدة المستوردين والمنتجين، وتذليل الصعوبات التي تواجههم والوقوف على أسباب ارتفاع الأسعار لكل منتج مثل الأرز والقمح والسكر والعدس والقهوة والشاي وزيوت الطبخ واللحوم الحمراء والبيضاء وبيض المائدة، إلى آخره من المواد الغذائية الأساسية، وكذلك ارتفاع أسعار مواد البناء مثل الحديد والأسمنت والأخشاب.
كانت الغرفة ترفع تقاريرها بصفة مستمرة إلى المعنيين في الحكومة، علّهم يجدون حلولًا جذرية لمشاكل وتحديات المنتجين والمصنعين المحليين، منها تسعيرة الماء والكهرباء والرسوم.
وبشكل موازٍ اتخذت الحكومة قرارات بأوامر سلطانية سامية في حينها، لشراء كميات كبيرة من المواد الغذائية الأساسية خاصة الأرز؛ لتأمينها للمواطنين والمقيمين على حد سواء، خوفًا من نفاد الكميات في الدول التي تُنتج تلك السلع.
ومن خلال الزيارات المتبادلة بين الدول، التقيتُ بالمخضرم الحضرمي علي العطاس رئيس غرفة تجارة وصناعة ماليزيا في مدينة كوالالمبور، وتباحثنا في العلاقات التجارية بين سلطنة عمان وماليزيا؛ على اعتبار أن ماليزيا من المُصِّدرين الأساسيين لزيوت النخيل إلى عمان، ودولة منتجة لكثير من السلع الأساسية. وقد وجهتُ سؤالًا تقليديًا عن أسباب ارتفاع الأسعار ومقارنتها بالمعلومات المتوافرة لدينا مثل الجفاف أو الحروب أو قلة المعروض، فردَّ العطاس قائلاً: أنتم أحد الأسباب الأساسية لارتفاع الأسعار!! وأضاف: أنا عاصرت كثيرا من الأزمات السابقة وكلها تعود للعرض والطلب، ومتى ما تضاعف الطلب، تضاعفت الأسعار؛ لذلك أنصح بعدم تخزين المواد الأساسية أكثر عن ثلاثة أشهر وبحد أقصى ستة أشهر. ويوضح العطاس أنه لا توجد أزمة تطول أكثر عن 3 شهور، وبعدها تعود الأسعار إلى التراجع مع عودة زيادة العرض، وقلة المشترين. وحتى في فترات الحروب، لابُد للمنتجين من تصدير سلعهم، وإلا كسدت وخربت.
لذلك أنصح الحكومات والتجار والمستهلكين بعدم الهلع أثناء الأحداث، وعدم المبالغة في التخزين للأسباب التي تعلمناها عبر السنوات الماضية، وقلت له ذكرتني بقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاؤوا إليه يشتكون ارتفاع سعر اللحم يطلبون منه تحديد السعر فقال: "أرخصوه أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟! فقالوا: وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال قولته الرائعة: اتركوه لهم"!
** الرئيس الأسبق لغرفة تجارة وصناعة عمان