العرب بعد الحرب الأوكرانية.. ماذا لو توحدوا ونبذوا خلافاتهم؟

 

د. رفعت سيد أحمد

الآن وفي أتون الحرب العالمية المستعرة في أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022 وحتى اليوم، أُثيرت عشرات التساؤلات والقضايا واشتعلت التنبوءات في أنحاء العالم متوازية مع إيقاع الحرب وارتداداتها المتسارعة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، إلا أن بعض الأسئلة التي تشغل- أو ينبغي أن تشغل- العقل السياسي العربي ما زالت بلا إجابة؛ ومنها هذا السؤال الكبير الذي يهرب منه الجميع: ماذا سيستفيد العرب من هذه الحرب وليس ماذا سيخسرون؟

لأن الخسائر مؤكدة في القمح والغاز وفي الاقتصاديات المحلية الضعيفة وفي العملات الوطنية الهشة. بالتأكيد الذي ستعانيه بلادنا كبير وقاس مع كل أزمة عالمية كبيرة ومنها بالقطع هذه الأزمة الأوكرانية- الروسية، ولكن لنضع السؤال بصورة تفاؤلية واستشرافية: ماذا لو استغل العرب (حكامًا وشعوبًا) هذه الأزمة العالمية الطاحنة واتحدوا، ونبذوا حروبهم وصراعاتهم التافهة والتي من المؤكد وبعد كل تلك الدماء والقدرات المهدرة منذ بدء ما سمي بـ"الربيع العربي" في خلافات شديدة التفاهة ولا تتصل من قريب بمصلحة الشعوب؛ بل هي بالأساس لمصلحة بعض الحكام وسلطاتهم المطلقة.

ماذا لو استثمر العرب هذه الأزمة العالمية واتحدوا؟ ماذا لو ألفوا بين نفوسهم قبل ثرواتهم ومقدراتهم المهمة التي حباها الله لهم ربما دونا عن غالبية التكتلات العالمية المنافسة؟

يحتاج الأمر أولًا إلى معرفة (أو بمعنى أدق إعادة معرفة وتذكر) ماذا لدينا من مقدرات ونعم حبانا الله بها ونكاد نضيعها بالخلافات العبثية:

أولًا: لدى الوطن العربي مجتمعا حوالي 7 تريليونات دولار سنويًا إجمالي الناتج القومي، وهذا يجعل الدول العربية في المرتبة الرابعة عالميًا بعد الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.

ثانيًا: لو توحد العرب في تكتل سياسي- جغرافي واحد أي دولة واحدة بإدارات داخلية مستقلة؛ ستصبح المساحة الإجمالية لهذه الدولة العربية 14 مليون كيلومتر مربع، بما تساوي نسبتها 10.2% بالنسبة للعالم، وستحتل بهذا الاتساع والاتحاد المرتبة الرابعة بعد روسيا الاتحادية، وعدد السكان سيصبح 423 مليون نسمة. وبذلك ستحتل هذه الدولة العربية المتحدة المرتبة الثالثة في القوة البشرية بعد الصين والهند، وسيتكون الجيش العربي (تقريبا) من 4 ملايين جندي ولديه 9 آلاف طائرة حربية و4 آلاف طائرة هليكوبتر، و19 ألف دبابة و51 ألف سيارة حربية، بحسب بعض التقديرات المنشورة على الإنترنت.

ثالثًا: إذا ما توحد العرب بعد هذه الحرب الأوكرانية الروسية- أو بسببها- سيصبح هناك 84 مليون فدان أراضٍ صالحة للزراعة في السودان وحدها تنتج سنويًا 760 مليون طن قمح (وساعتها لن نحتاج إلى القمح الأوكراني أو الروسي) و370 مليون رأس من الأبقار، وملايين الخراف والدجاج والثروات الحيوانية الأخري، إضافة إلى أنَّ مساحة 8% فقط من الصحراء الليبية للخلايا الشمسية سيكفي لإنتاج 20 مليون جيجا وات! وهذا يكفي احتياج كامل الكرة الأرضية من الكهرباء.

رابعًا: إذا ما أمكن للدول العربية أن تمتلك قرارها المستقل وتسعى جادة إلى الوحدة بسبب هذه الحروب والصراعات العالمية المتجددة فستكون ثروات النفط والغاز العربي؛ بمثابة قوة ضاربة ومؤثرة في الاقتصاد العالمي، فعلى سبيل المثال لا الحصر بالنسبة للبترول- فقط- فإنتاجه سيبلغ 24 مليون برميل يومياً نصيب اتحاد الدول العربية من النفط ما معدله 32% من الإنتاج العالمي، وسيزداد حجم إنتاج الغاز خاصة بعد اكتشفاته في البحر المتوسط وسيزداد حجم التجارة البينية، مع ارتفاع الدخول السياحية بسبب امتلاك هذه الدولة العربية الواحدة للشواطئ والآثار والغابات، مع السياحة الدينية في بلاد هي موطن الأديان والتاريخ الأول للعالم.

كل هذا سيحدث وأكثر لو اتحد العرب أوسعوا إلى الوحدة ونبذ الصراعات العبثية والعلاقات المثقلة للكهل والمثبتة للهمم مثل تلك التي تقدم مجانًا لإسرائيل في علاقاتها وتطبيعها مع بعض الدول العربية.

ولكن، يحتاج كل هذا (الحلم الجميل بالوحدة) إلى إرادة عربية مستقلة ووعي عربي بصير وفقه للتجاوز يربط الأمة بالمستقبل برباط وثيق وهي مهمة ممكنة التحقق لو خلصت النوايا واتعظت العقول السياسية مما جرى- وما زال- من حرب في أوكرانيا ومن حروب أخرى قادمة.

والله أعلم.