عائض الأحمد
الإنسان يرتبط بأشياء كثيرة تحدد عالمه وتفكيره وربما لونه كما هي لغته وموطئ قدميه فلا غرابة في ذلك، أينما وضعت لك موطئا فأنت تبني فكرك وتسحق أى شيء خلفك في أسوأ أحوالك.
المبهر هنا أن تضع قلبك ومركز الهامك خلفك، لتصنع لك موقعاً بين هؤلاء فيما كنت تظنه عملا سياسيا يستحق هذه المغامره فعلى الكل الإنصات والأخذ بعين اعتبارك فقط من مبدأ القوة وفرض السطوة على الأرض وليس كما كانت أغلب المواجهات حربا كلامية بين أخذ ورد تقام لها الندوات وتفرد لها الصحف المقالات والمناظرات ثم إلى أقرب سلة مهملات.
العالم يتغير بشكل لم نعتد له مثلا، سطحت وتلاشت وانعدمت التوقعات، ووقف المحللون دقيقة حداد على كل القراءات المسبقة إقرارا بشذوذ معتقدات الحروب وأفكار صانعيها، فكأنما بدأت ولن تنتهي بحصيلة فوز وخسارة، وأنت تشاهد أحزابها ومقتاتيها يتنافسون في إشعالها، وسط عالم مجنون ينام سقيما ويصحو بصوت راجمات صواريخ تنهي ألم مصاب يئن في سريره الأبيض كان قبل أيام يعد نفسه ويبلغ من حوله بانتحاره قريبا.
الأطفال والنساء يهيمون وسط تلال "الثلج" ينظرون خلفهم إلى منازلهم يرمقونها بنظرة حزن وحسرة متى سأعود يا داري وأنشد موطني، يعز عليَّ فراقك، ما كان لي أمرا، ولم يكن لي بترك سلطان، فاضت بعيني دمعة، وتمزقت أحشائي، فهل من عودة أم هذا فراق دائم ياداري.
جنون العظمة في عالم مصاب بالهذيان يصف نفسه بما يخالف الواقع مدعيا أنه يملك خيوط اللعبة ويزيدك بيتا من الشعر بأنه صانعها، ولن يدع أي نسبة لاحتمال خاطئ، لأنه القادر على سحق الجميع، أو لم يمنحك فرصة للتراجع فرفضها عقلك الباطن مستشعرا قواك الخفية وأحادية قرارك التعسفي أنا العالم فمن أنتم.
بناء الإنسان صعب وكلفته عالية كما هي الأوطان، فما بال هؤلاء الحمقى يهدمون كل شيء ويهلل البعض لبعضهم، بوقاحة رجال العصور الوسطى وبجاحة قاطعي الطرق وسارقي قوت الفقراء، ماذنب طفل في طرف العالم وهو يدفع ثمن "عربدة" فاجر في شرقه، عدالة التشريد والتجريد سنن الواقع المعاصر وقوة الردع المنحل أخلاقيا، ثلة تأمر قطيعا فيستجيب ويسوق أفعالهم المبتذلة عبر مهرجين يعتلون مسرح جرائم سادتهم مبررين غوغائية أفعالهم.
ختامًا.. الإناء بما فيه يغرق.
ويقال أبصم بـ"التسعة" ودع العاشر لك، ربما تحتاجه ساعة ندم!
********
ومضة:
لم تخلق لمثل هذا يا سيدي.
يقول الأحمد:
العقول والراحة لم يعد مكانهما هنا!