66 شاعرة عُمانية يتحلقن حول مأدبة الشعر الشعبي

د. سعيدة بنت خاطر الفارسية

سأكون في انتظاركم بصحبة 66 شاعرة عُمانية سيتواجدن في حفل توقيع كتاب (ترانيم من الشعر الشعبي)، يوم الأحد (20 مارس) في النادي الثقافي، هذا الكتاب مُهدى إلى روح المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله، الإنسان الذي انبثق هذا الكتاب من وحي رعايته واهتمامه بالفنون الشعبية العُمانية، ذلك الاهتمام الذي تجسد من خلال توجيهاته بإقامة "ندوة الشعر الشعبي العُماني"، التي كانت تحت إشراف ديوان البلاط السلطاني، ممثلا بمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم آنذاك.

الشعر الشعبي هو كل شعر يعود إلى شعب ما يحمل سمات لغة ذلك الشعب الصوتية، وخصائصه اللغوية، ويحكي لسان حالهم وقضاياهم الحياتية، ويستدل منه على الأصل الجُغرافي لقائله من طبيعة اللهجة التي يتحدث بها الشاعر، وهو شعر يكتب باللغة المحكية المُغايرة للفصحى، وعادة ما يطلق على الشعر الشعبي بأنَّه الشعر العامي الذي يتحدث به العامة لكنني أرى أن الشعر الشعبي لم يعد عاميًا، فليس هو الشعر الذي يكتبه العامة، ويوجه للعامة فقط؛ بل لقد أصبح الشاعر الشعبي مثقفا متعلما وحاصلا على أرفع درجات التعليم ومن ثم فهو ناقد وأديب وقارئ للثقافة بشكل عام ومستفيد من تطورات الشعر الفصيح وقضاياه الفنية.

وبعد تحديد المقصود من الشعر الشعبي العماني، رأيت أنه يتنوع بين ثلاثة أنماط..

أولا: الشعر الشعبي الغنائي: وهو شعر مُرتبط بالفنون العمانية الغنائية، ونستطيع أن نطلق على هذا الشعر بالذات أنه شعر عامي، لأنه يخرج من العامة ويوجه للعامة، نظرا لارتباطه العميق بالمفردة النابعة من بيئته، ويبدو أنه يولد ملحناً لارتباطه بالغناء، وأمثلته في عمان كثيرة، مثل، فن اتشحشح، وأمبم، وبوعبادي، وأبو الزلف، والويلية، وفن الدان دان، المسبع، وفن الزفة والمناني، وفن الشرح، والميدان، وفن زفة العروس، فن المغايض، والمزيفينة، وفن الحمبورة، فن التعويبة للنساء، وفنون المنطقة الجنوبية الغنائية مثل: الطبل والربوبة والبرعة والهبوت وفنون البحر مثل الشبانية حتى فنون الجبل دبرارات، والنانا، والمشعير. وكل هذه الفنون تخرج أشعارها بلحن مغنى أو بإيقاع معين.

ثانيا: الشعر النبطي: يكتب الشعر النبطي بلهجة واحدة لا يستطيع أحد مخالفتها أو الخروج عن مسارها، ويتكون من شطرين متوازنين تمامًا، وينتهي الصدر بقافية واحدة وينتهي العجز بقافية موحدة أيضًا لكن مختلفة عن قافية الصدر، وتُعدّ لهجة أهل نجد الأصلية اللهجة المعروفة للشعر النبطي، وينتشر ذلك النمط من الشعر في منطقة نجد والبادية والخليج العربي وبعض أجزاء من بادية الشام مثل الأردن، وكذلك في سيناء.

ثالثا: الشعر الشعبي الحديث؛ لأن الشاعر الشعبي لم يعد عاميا متوجها بشعره للعامة فقط، دخل التحديث للشعر الشعبي وتغيرت أشكال كتاباته لدرجة أن بعض الشعراء الشعبيين العمانيين قد تخلوا عن الشعر العمودي القائم على الشطرين وكتبوا الشعر الشعبي على نظام التفعيلة، واجتاحت السردية كثيرا من كتاباتهم، وهذا الأمر ساروا به ذكورا وإناثا في عمان، بل وكتب بعض المحدثين المجددين للشعر الشعبي قصيدة النثر الشعبية، ولو كانت على استحياء، إلا أنه تجديد لا يُمكن أن نتخيله لو كان الشعر الشعبي يوجه للعامة فقط ويقتصر على الشفوية في التلقي؛ بل تطور الأمر لكتابته في ديوان شعري. مكتوب فقط وغير منطوق كما حدث في فترة ما، من ملازمة ديوان الشعر الشعبي بتسجيل صوتي للشاعر حتى يفهمه من لا يجيد اللهجة، ونستطيع أن نطلق على هذا النوع من الشعر، الشعر المتغير المتحول لأن قائله يحاول أن يرتقي به حتى وصل إلى ما يعرف باللغة البيضاء أي المفهومة من الجميع، والمقتربة جدا من الفصحى في المفردة، لكنه متخليا عن قواعد الفصحي النحوية فقط. 

وهكذا وجدتُ في الشعر الشعبي العماني مناخات متعددة ساعدت على تنوع وإثراء المشهد الثقافي للشعر الشعبي.

عندما شرعتُ في فكرة كتاب "ترانيم من الشعر الشعبي"، في البدء تخوفت من عدم الحصول على مشاركات تستحق أن يخصص لها كتاب وأن يحمل مسمى (هذا العنوان) خاصة وأنه سيضم شاعرات من فترات زمنية متباعدة، ولا شك أنَّ الموضوع كان مرهقا في البدء ثم تداعت الأمور بشيء من السلاسة، إذ أصبحت كل شاعرة تجذب الأخرى خاصة بعد أن جمعتهن في مجموعة واحدة (جروب واتسابي)، ثم انتقلتُ انتقالة أخرى وطلبتُ من كل شاعرة تزويدي بشاعرات مُسنات من كل منطقة وهذه المرحلة أتعبتني جداً، نظرًا لعدم حضورهن في الذاكرة، ونتيجة لعجز الذاكرة الشفوية عن التذكر لما هو أبعد من 150 عامًا، كما هو متعارف عليه في الدراسات الإنسانية فدخلتُ في مرحلة الزيارات الميدانية لبعض أقاربهن وقد قامت بعض الشاعرات مشكورات بالمساعدة في ذلك وكان الأمر الأكثر صعوبة هو فهم لهجة قديمة تجاوزها الزمان لدرجة أني اضطررت لعمل هوامش لشرح الكلمات التي لن نستوعبها في الوقت الحالي وأصبح الأمر صعبا جداعند شاعرة من الجنوبية اسمها زيادة القطر، وشاعرة من صور هي فاطمة بنت مكردم وشاعرة حرسوسية اسمها الصمغة بنت محمد بن بوته الحرسوسية وأختها.

ولأنَّ الشاعر الشعبي هو نبض بيئته وروحها نقلت لنا الشاعرة الصمغة وأختها علوكة بنت محمد بن بوته الحرسوسية، البادية بلغتها وخصائصها وصورها ومكوناتها ومعانيها ومن خلال الشاعرتين تعرفنا على البيئة البدوية، بل وكأننا انتقلنا معهن إليها جسدا وروحا، ثم بدأتُ في تصنيف الشاعرات وفقا لحروف الهجاء العربية، وبعد أن كنت أظن شح عُمان في شاعرات الشعر الشعبي أصبح الكتاب يحتوي على عدد كبير منهن متنوعات بين الشعر الشعبي الحديث، والنبطي، والغنائي.

ملاحظات:

 - أخذت لكل شاعرة ثلاث قصائد، ماعدا الشاعرات الغنائيات لقصر مقاطعهن أخذت لهن مقاطع وقصائد أكثر، وكذلك الشاعرات القديمات/ المسنات، لعدم توفر فرص النشر لهن ولوفاة أغلبهن.

- لم أتدخل في كتابات الشاعرات وسيرهن الذاتية، إلا بالترتيب والتصحيح الإملائي، وبعض التعديلات الضرورية، لذا فأي خطأ في الوزن أو في المعلومة يعود للشاعرة نفسها فقط.

- من الملاحظ أن شعر بعض الشاعرات الغنائيات يجتاحه بعض الخلل بالنقص أو الزيادة وهذا أمر طبيعي في الشعر المصحوب بالإيقاع واللحن، فبمد اللحن يعوض الشاعر عن نقص التفعيلة، وبقصر الإيقاع يعوض عن الزيادة، هذا بإلاضافة إلي اختلاف اللهجات التي توقعنا في اللبس أثناء نطق الكلمة مما يؤثر في ضبط التفعيلة.

- كتبتُ الكلمة المراد شرحها في الهامش باللون الأحمر مع شرح الشاعرة لمفردات نصوصها.

- من الملاحظ أنه كلما بعدت الفترة الزمنية عن الوقت الحالي كلما صعبت علينا اللهجة ومعاني بعض الكلمات، وفي هذه الحالة وضعتُ علامات استفهام أمام الكلمة التي بعد السؤال والتقصي لم يتعرف عليها أحد من منطقتها، مثال: (حاضي =؟؟؟؟؟ أو ذحابه ؟؟؟؟ أو ضمازي= ؟؟؟؟).

- أخذ هذا الكتاب ما يُقارب الثلاث سنوات في جمعه وتدوينه وتصنيفه وتصحيحه.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة