عدم الاكتراث بالمظاهر

د. خديجة الشحية

Khadija82013@gmail.com

التقيتها لأوَّل مرة في تلك الزيارة، مع أنني كنت أتابع مداد حبرها مسبقاً بشغف، وقفت كثيرا أتأمل كلماتها واختلاف ألوان كتاباتها، تنوع مفرداتها وأفكارها، لا تشبه الغير إلا في نشاطهم، لكنها مختلفة كلياً بما تطرح.

زيارتنا لإكسبو دبي كانت فرصة، كنت كعادتي أستأنس الجلوس في المقعد الخلفي الكبير للحافلة مع كل ما يلزمني لجلسة مُريحة وهادئة؛ حيث لا أحد يجلس ورائي، قد تكون ميزة فيني لا أتعارك ولا ألهث لما ينافسني عليه الكثيرون، حينما أجد المساحة تتسع لي ولغيري أقبل على الشيء، جلوسي في نهاية الحافلة أتاح لي النظر والاستماع والاستمتاع والتأمل والقراءة، بينما كنت كذلك ظللت أتامل تلك الكاتبة الأنيقة شكلًا ومضمونًا، التي كانت قد وقفت وجلست مواجهة للمقعد الذي خلفها تحادث كاتبة أخرى بذات التميز والفكر والأناقة، وذهبت بهن النقاشات في مختلف المواضيع، كانت تتحدث متحرقة، متوجعة، ممتعضة من بعضهم، مترحمة على جهدها الذي ينسف في كل مرة رغم تفانيها فيه "كنت أسمعها ولسان حالي يقول هم كذلك الذين لايتقنون لبس الأقنعة وكثرة التنازلات"  لا يحظون بالتقدير، ولا بالمنصب الذي يليق بجهدهم وعصارة فكرهم، دائما يكونون على الرف حتى تأتي معجزة وتنتشلهم مما هم فيه.

أحببت حديثها رغم أنَّه يخرج بلباس الحزن والتهميش، إلا أنه راق لي، قد نتشابه بالوجع ذاته، لكن أقل مما أشعر به، لأنني أوجد لنفسي ما يعوضها عمَّا حرمت منه أشغل نفسي بما ينسيني أن هناك ما ينقصني مما أحلم به وأطمح فيه. جمعتنا طاولة الإفطار في ذلك الفندق البسيط والذي لا أعرف كيف تخيرته تلك الشركة لنا وربما لقلة ثمنه، لكنه ليس بذلك السوء. كانت تتحدث كثيرا، وتأكل قليلا، على العكس كنت أكل كثيرا وأتحدث قليلا، لأنه وقت الأكل ولا تروقني من تجالسني تظل تسرد كل شيء وقت الأكل، يقولون في ذلك احترام النعمة، إلا أنني وبصراحة احترم النعمة وبطني معًا والتي تستقبل النعمة، فبعد تلك الوجبة الصباحية كان ينتظرنا يوم شاق قد لا يشمله أي وجبات تذكر حسبما تم إخطارنا، وكأننا ذاهبون في رحلة صيام. وجبة الإفطار بالنسبة لي مُهمة رئيسية، حتى وإن كنت بالبيت، فعلا مثلما وصفتها كانت بالفعل رحلة صيام، وكنت قد أخذت معي احتياطيا تفاحتين وقنينتي ماء. تجوالنا في معرض إكسبو دبي 2020، لم يتح الفرصة للانتظار لتناول أي وجبة تذكر، ومن معرض إكسبو أكملنا تجوالنا إلى القرية العالمية، وكانت الزيارة الأولى لي للقرية، في القرية كانت فرصتي بمرافقتها أكبر، كانت تتحدث عن الجامعة، عن نشاطها في المواقع الاجتماعية وكيف استثمرت ذلك مهنيًا. كانت تتحدث عن ضآلة مداخيلها وكيف توظفها لأجل رسومها الجامعية، كانت تتحدث عن أحلامها وعن وعن....

حديثها ذكرني بنفسي في مسيرتي العلمية وكيف كنت أجمع الريال مع الريال لكي أدفع كل ما يخص دراستي، وكيف استثمرت مصروفي وراتبي البسيط في الكلية نظير فترة التدريب لكي أدفع رسوم الكلية والسكن والباص في بدايات السنة الأولى، كنتُ غير مكترثة بالمظاهر من حولي، وما تتهافت عليه زميلاتي من موضة إلى غيره من المغريات التي لا يمررنها بسهولة دون الحصول عليها، وإلى اليوم أقدم الأولويات على الكماليات. مسؤوليتي تجاه أسرتي ونفسي أهم من كل المظاهر الأخرى والمباهج الخداعة التي لا معنى لها، ووجدتها هي كذلك تسلك خط سير في الحياة قد مررت به سابقا، في القرية العالمية، وفي المجمعات التجارية التي مررنا بها تغاضينا أنا وهي عن الكثير من الأشياء، الاستغناء عنها لم يكن ليؤثر فينا، كونها لم تكن مغرية إلى الحد الذي يقتلنا شوقا لاقتنائها، التغاضي عنها لم يكن مؤذيا للنفس، ذلك الرضا لم يصلنا بسهولة إلا بعد أن تناصفنا المسؤولية مع ذوينا،  وحملنا على عاتقنا أن نكون  في  موقع المسؤولية والحرص على ألا نحتاج يوماً ونقترض من الآخرين وتصبح عادة ذميمة لا نستطيع التخلص منها، مثل كثير من الناس ممن لا يكفيهم ما في جيوبهم ويعتبرون ما في جيب غيرهم لهم أيضا.

إنَّ الاحتفاظ بالقليل لحين الحاجة يحفظ لنا ماء الوجه عن الآخرين، من لم يمر بفصولنا لن يفهمنا ولا يشبهنا بشيء، من الصعب للكثيرين الصمود والتغاضي عن مغريات هذا العصر وما يتخلله من عوالم افتراضية وغير افتراضية ولكن تظل القناعة سيدة الموقف. لا يمكن أن نكون ضمن من يؤثر عليهن لمجرد مجاراة شيء قد يعوض لاحقا.. ولمجاراة مرضى المظاهر.