"المجاهدون" الأوكران!

هل يتكرر نموذج أفغانستان في أوكرانيا باسم "الفيلق الدولي"؟

 

 

 

د. رفعت سيد أحمد

فوجئ المراقبون لأحداث الحرب الروسية- الأوكرانية بدعوة أوكرانية سرعان ما تُرجمت غربيًا إلى فعل على الأرض، وتضمنت إنشاء ما أسموه بـ"الفيلق الدولي" لمُقاتلة الجيش الروسي على الأرض الأوكرانية، وربما خارجها، ويتكون هذا الفيلق من مقاتلين متطوعين من الدول الغربية وبعض بلدان الشرق الأوسط، وخاصة "دواعش" سوريا، الموجودين في إدلب شمال سوريا، والذين ينتمي بعضهم إلى جنسيات أجنبية أوروبية وبعضهم من جمهورية الشيشان والجمهوريات الإسلامية التي كانت تتبع الاتحاد السوفيتي قبل حلِّه.

المراقبون لم يتوقعوا هذه الدعوة- اللغم، والتي ستكون لها آثارها المؤثرة- إن اكتملت- على جميع الأطراف وليس على روسيا فقط (كما سنوضح لاحقًا).

أولًا: تحديدًا وفي بداية الأسبوع الثاني للحرب الروسية على أوكرانيا (27/ 2/ 2022) خرج رئيس أوكرانيا وتحت الضغط العسكري الروسي الزاحف على أوكرانيا والمحطم لأغلب القواعد العسكرية الأوكرانية؛ بالدعوة إلى إنشاء وحدة عسكرية تتألف من متطوعين أجانب من كافة الجنسيات للدفاع عن الأراضي الأوكرانية ضد روسيا. ويُشار إلى هذه الوحدة بالفيلق الدولي للدفاع الإقليمي لأوكرانيا (واسمه بالأوكرانية: Міжнародний легіон територіальної оборони України)‏، وجرى الإعلان عن تشكيل هذا الفيلق في بيان صادر عن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا في 27 فبراير 2022، في حوالي الساعة 11 صباحًا بالتوقيت المحلي. وبعد أسبوع من هذه الدعوة "اللغم" أكد مسؤولون أوكرانيون أنّ أعداد المتطوعين الأجانب في الفيلق الدولي وصلت إلى 16 ألفًا!

وتزامنًا مع هذه الدعوة ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن معظم المتطوعين المتقدمين جاءوا من الجمهوريات السوفييتية السابقة، وبعضهم كان يُقاتل الروس في سوريا وهؤلاء لايقل عددهم عن 3 آلاف مقاتل داعشي متطرف، بينما الباقون من مناطق بعيدة مثل الولايات المتحدة، وكندا، واليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا.

وتأكيدًا لهذه الدعوة كرر الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي، وعبر خطابات ورسائل متعددة قائلا نصًا "إلى جميع مواطني العالم، أصدقاء أوكرانيا، والسلام، والديمقراطية" يدعوهم فيها إلى "المجيء للقتال جنباً إلى جنب مع الأوكرانيين ضد جرائم الحرب الروسية"، على حد وصفه.

وتماشى معه في دعوته وزير الخارجية الأوكراني ديميترو كوليبا، على حسابه الرسمي على موقع "تويتر"، مؤكدًا أنَّ أوكرانيا شكلت رسميًا فيلقًا دوليًا للدفاع عن الأراضي الأوكرانية، وسيفتح الكيان الجديد الباب أمام "الأجانب الراغبين في الدفاع عن أوكرانيا والنظام العالمي" من الهجمات الروسية.

وقالت مجلة "إنتليجينس نيوز" إنَّ التقارير اللاحقة أفادت بأنَّ السفارات الأوكرانية حول العالم توجه المتطوعين المحتملين للاتصال بالملحقين العسكريين للحصول على مزيد من المعلومات، ثم توالت أنباء تحدثت عن أن الحكومة في أوكرانيا أزالت تدابير الحصول على تأشيرة دخول، للسماح للمتطوعين الأجانب بالسفر إلى البلاد.

وأكدت المعلومات الواردة من أوكرانيا بشأن هذه الدعوة أن رئاسة أركان القوات المسلحة الأوكرانية أصدرت أمراً رسمياً يستهدف أولئك الراغبين في الانضمام إلى "الفيلق الدولي" للدفاع عن أراضي أوكرانيا. وبموجب التعليمات، فإنِّه يتعين على راغبي السفر إلى أوكرانيا للقتال الاتصال هاتفياً أو التراسل عبر البريد الإلكتروني مع سفارة الدولة التي يقطنون فيها.

وقالت رئاسة الأركان في بيانها "بمجرد استلام طلباتهم، سيحصلون على مساعدة بشأن طرق وصولهم إلى أوكرانيا".

لماذا الفيلق الدولي؟

ثانيًا: ماذا تعني هذه الدعوة وما هي نتائجها المستقبلية؟ إنَّ هذه الدعوة تعني ببساطة أن الجيش الأوكراني يتعرض لهزيمة شديدة، وأنه يحتاج إلى دعم واسع وليس مجرد دعم شفوي تُقدمه الدول الغربية، كما جرى في الأسبوعين الأولين للحرب وأن حاجته تلك لا يكفي فيها الضربات الاقتصادية القاسية التي وجهتها واشنطن إلى روسيا. إن الجيش الأوكراني- في رأينا- صار في وضع صعب ويريد دعمًا مباشرًا وغير تقليدي لمواجهة الجيش الروسي وفي رأي الجيش الأوكراني أن حرب العصابات عبر هذه الجماعات المسلحة القادمة من الخارج والتي أسماها بالفيلق الدولي؛ هي الأنجع والأشد تأثيرًا على روسيا، انطلاقًا من تجارب سابقة مر بها الجيش الروسي من أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي وإلى حروب الشيشان وسوريا وانتهاءً بالقرم وأوكرانيا، وأنه سيعاني من جراءة وشراسة تلك التنظيمات في القتال، وسيمثل ذلك سندًا قويًا للجيش الأوكراني، خاصة في حروب المدن. هكذا يذهب التفكير الأوكراني في مجال توظيف الفيلق الدولي الذي قد يصل في الأسابيع المقبلة أعداد مقاتليه إلى 50 ألف مقاتل من جنسيات مختلفة.

ثالثًا: لكن ما لم تضعه الرؤية الأوكرانية في حساباتها وعند الدعوة لإنشاء هذا الفيلق الآثار السلبية التالية: 1) أن هؤلاء يأتون بلا قيادة وبلا معرفة بأرض المعركة وبلا تنسيق مع الجيش الأوكراني الذي يعاني أساسا من تدمير شبكة اتصالاته القيادية، هؤلاء إذن سيمثلون عبئًا كبيرًا على أهل المدن وأصحاب الأرض وقد يوجهون نيرانهم "الصديقة" إليهم وليس إلى الروس وهذا هو الخطر الأول المتوقع. 2) الكثير من هذه المجموعات التطوعية المسلحة يحملون أفكارا عنصرية متطرفة ومثل هذا الفكر أثبتت التجارب التاريخية وفي بلدان الشرق الأوسط تحديدًا أنه لا صديق له ولا سقف لعدوانه وحربه، ومن حيث لا يدري الجيش أو الحكومة الأوكرانية وإذا ما عقدت- مثلًا- اتفاقًا مع روسيا لتهدئة الأوضاع أو للمصالحة، فإنَّ هؤلاء سيرفضون ذلك تمامًا لأنهم أتوا للقتال فقط وليس للسلام ولا يفهمون لغة المصالح والسياسة. ومن ثم تنطلق نيرانهم إلى صدر الجيش والحكومة الأوكرانية فقط، وستندلع الصراعات والاختلافات والحروب فيما بينهم كما جرى تمامًا مع ظاهرة "المجاهدين الأفغان" في الثمانينات بعد رحيل الروس. 3) أخطر ما ستمثله هذه الظاهرة مستقبلا هو حين عودتهم إلى ديارهم وساعتها سيسمون بـ"المجاهدين الأوكران" أو "العائدين من أوكرانيا" سيتحولون إلى قنابل موقوتة في البلاد التي أتوا منها مثلما حدث من قبل مع "المجاهدين الأفغان"، حين عادوا إلى بلدانهم، فقد أنتجوا في بلادنا العربية قتلًا ودمارًا وتطرفًا لا حدود له ويكفي أن نؤكد مثلاً أن "داعش" و"النصرة" وغيرها من تنظيمات الإرهاب المسلح كانوا من نتائج أفكار وتجربة "المجاهدين" في أفغانستان!! 4) لقد كانت لتجربة القتال في بلاد ليست بلادهم وحملهم أفكارًا متطرفة وعملهم كمرتزقة وعملاء بالأجر في تلك البلاد، كل ذلك كان وبالًا على من أرسلهم، وليس من قاتهلم في أفغانستان، واليوم في أوكرانيا ونقصد بهم الروس. 5) المهم هنا أن نؤكد أيضاً وبالنسبة للروس، الأمر في مواجهة تلك الجماعات المسلحة سيكون أسهل مما جرى في أفغانستان، لأن جغرافيا الصراع والأرض في أوكرانيا معروفة جيدًا للروس، فضلًا عن أنهم يعتبرونها بمثابة أمن قومي روسي وأنهم لن يسمحوا بتكرار تجربة أفغانستان وسيواجهون تلك الجماعات المسلحة بقسوة وإبادة أشد من مواجهتهم للجيش الأوكراني، وسيحركهم في ذلك قناعة بأنَّ هؤلاء مجرد "مرتزقة" وليسوا أصحاب أرض ومن ثم يستحقون ليس القتال وحسب ولكن "الإبادة" أيضًا، هكذا يفكر الروسي وهكذا سيتعامل مع من يبقى حيا من هذا "الفيلق الدولي".

في ضوء تلك الحقائق فإننا نحكم على دعوة وتجربة "الفيلق الدولي" التي دعا إليها الرئيس الأوكراني وبعض قيادات الدول الأوروبية، بالفشل وأنها لن تعيد تجربة "المجاهدين الأفغان" في شقها المستنزف للجيش الروسي، كما يخطط من دعا إليها؛ بل ستخلق الفوضى في الإقليم وفي البلدان التي أرسلتهم، وربما تكون في غير صالحهم، لاختلاف الزمان والجغرافيا وأطراف اللعبة الدولية الدامية في أوكرانيا.

والله أعلم..