الحرب العالمية الثالثة.. اقتصادية!

حاتم الطائي

◄ الحرب العالمية الثالثة اقتصادية بامتياز تستهدف الشل الكُلي والعزل التام للدول المناوئة

◄ الحظر التجاري والمالي والحرمان من الإنترنت.. أبرز أسلحة الحرب الاقتصادية

◄ التضخم العالمي يُنذر بكوارث اقتصادية وتداعيات سياسية غير مسبوقة

مُنذ أن اندلعت الشرارة الأولى من الحرب الروسية الدائرة رُحاها على الأراضي الأوكرانية، والعالم يُحصي الأيام يومًا تلو الآخر، توجسًا لما قد تحمله هذه الحرب من تبعات تُهدد مستقبل البشرية جمعاء، وتُنذر بقيام حرب عالمية ثالثة لن تُبقي ولن تذر؛ فقد انطلقت التكهنات بالنتائج الكارثية لهذه الحرب المُشتعلة، في حالة تدخل أطراف دولية أخرى... وعندئذٍ ستكون الطامة الكبرى!

هذه المخاوف المشروعة للغاية تنبع من كون روسيا هي ثاني قوة نووية بعد الولايات المتحدة، علاوة على أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر في الأيام الأولى لهذه الحرب برفع درجة "التأهب النووي"، وهي علامة على استعداد موسكو لاستخدام السلاح النووي إذا دعت الحاجة إليه. مخاوف نشوب حرب عالمية ثالثة انطلقت كذلك من احتمالية دخول حلف شمال الأطلسي "الناتو" ومن ورائه الولايات المتحدة والغرب، في أتون هذا الصراع، عندئذ لن يتوانى أيُّ طرف عن استخدام الأسلحة التي تخدم أهدافه وتُحقق له ما يعتقد أنه "النصر"! ومع توالي القصف الروسي على المدن الأوكرانية وزحف الجيش الروسي نحو العاصمة كييف، وسيطرته على مدن ومنشآت إستراتيجية عسكرية ومدنية، تبين أنَّ الغرب من شبه المؤكد لن يتدخل عسكريًا، لكن التَّدخل هذه المرة اقتصادي، وقاسٍ للغاية وقد يصل إلى درجة "الدمار الشامل".

لذلك يمكن اعتبار أنَّ الحرب العالمية الثالثة هي حرب اقتصادية بامتياز، تطلق فيها الدول العظمى عقوباتها على دول عظمى أخرى، تتسبب في شلّ الحياة الاقتصادية في الدولة المستهدفة بالعقوبات، وهو ما حدث في الأزمة الأوكرانية الراهنة. فما فرضته أمريكا والغرب من عُقوبات اقتصادية ألحقت أضرارًا كبيرة بالاقتصاد الروسي، فقد ارتفع التضخم في المدن الروسية بنحو 40% حتى الآن، وهوت العملة الروسية لمُستويات دنيا غير مسبوقة؛ حيث فقد الروبل 50% من قيمته، وبات الدولار الأمريكي يُعادل 118.5 روبل. وشملت العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا إقصائها من نظام "سويفت" العالمي للتحويلات المالية، ومنع جميع المُنتجات، إلى جانب فرض حظر على المعاملات المصرفية وتجميد أرصدة بنكية تُقدر بمئات المليارات؛ في مسعى من الغرب لوضع روسيا في ما يُمكن أن يؤدي إلى عُزلة تامة عن العالم، ويقوّض قدرتها على التجارة العالمية، ويحرمها حتى من الاستفادة من مواردها الطبيعية من خلال عمليات التصدير، خاصة إذا ما عملنا أنَّ روسيا هي أكبر مصدر للعديد من المنتجات والخامات والمواد والمحاصيل الزراعية بل ومنتجات مرتبطة بالتكنولوجيا.

خبراء العسكرية ومؤرخو الحروب، وضعوا تصورات عدة لما يمكن أن تكون عليه الحرب العالمية الثالثة، وجميعهم اتفقوا على أنها ستكون حربًا نووية مُدمرة لأكثر من نصف الكرة الأرضية، لكن الواقع أثبت لنا أنَّ الحرب المشتعلة حاليًا ليست من حروب الجيل الرابع ولا الخامس؛ بل هي حرب اقتصادية شاملة على خلفية عسكرية، وربما كانت الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، على الصين، الشرارة الأولى لفكرة الحرب الاقتصادية، فالصين تضررت نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المُتحدة، كما إن الحظر الذي طُبق على شركات صينية بعينها ألحق بها خسائر لم يُنكرها أحد.

الآن الرئيس الأمريكي جو بايدن ومعه الغرب وكبرى الشركات العالمية، يشنون حربًا اقتصادية عنيفة وشرسة على روسيا، فبدءًا من الحظر التجاري إلى مصادرة الأرصدة البنكية ومُلاحقة رجال الأعمال الروس في كل مكان وتجريدهم من ممتلكاتهم والسيطرة عليها، مرورًا بحرمان روسيا من الولوج إلى مواقع الإنترنت الرئيسية وحظرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وليس انتهاءً بقرار مطعم أمريكي شهير بإغلاق كافة فروعه في روسيا! ومن المُفارقات الساخرة أنَّ الحظر بات يشمل كل ما هو روسي، حتى القطط الروسية!

ويبقى القول.. الحرب العالمية الثالثة بدأت بالفعل، وهي حرب تستهدف ضرب اقتصاد الدول المُغردة خارج السرب الغربي، وإذا كانت البداية بروسيا، فالدول التي ستشملها الحرب قادمة لا محال، ولنا في نموذج كوريا الشمالية المثال، لكن المنطق ومتطلبات السلم العالمي وأبجديات استقرار التجارة العالمية، تؤكد جميعها على ضرورة وقف هذه الحرب، واللجوء إلى طاولة الحوار والتفاوض؛ إذ إنَّ سياسات الضغط المستمر ستولّد انفجارات لن تتحمل البشرية تبعاتها، وما التضخم المُخيف في العالم الآن بجانب الركود الشديد، سوى بداية لهذه الانفجارات التي لن تطيقها أي دولة، بما فيها الولايات المتحدة، التي بدأ المواطن الأمريكي فيها بالصراخ من القفزة الهائلة في أسعار وقود المركبات.. إنَّ الحرب ستأكل الأخضر واليابس، وسيتراجع العالم مئات الخطوات إلى الوراء، وعلى العقلاء أن ينزعوا فتيل أعنف حرب قد يُسجلها تاريخ الاقتصاد العالمي، فلا أحد يستطيع التكُهن بمآلات هذه الحرب ونتائجها على الدول ولعبة النفوذ والقوة، لكنها بلا شك تضع العالم أجمع أمام منعطف تاريخي لم نشهده من قبل!