خلفان الطوقي
منذ عام 2020 ومصطلح تنمية المحافظات يردد في الألسن، ويظهر في وسائل الإعلام بكافة أنواعها، وزادت وتيرة الحديث عن تنمية المحافظات قبل عدة أشهر عندما وجه السلطان هيثم بن طارق المعظم - أيده الله - بتعزيز الميزانيات المالية ومضاعفتها، وأنتاب الكثيرين السعادة والتفاؤل بعد هذا التوجيه السامي، ورغم ذلك ظهر من يشكك بأنَّ المحافظات ليست مستعدة لهذا التحول النوعي، وليست قادرة مالياً أو فنياً أو إدارياً أو بشرياً أو لوجستيا أو تشريعيا، والدليل على وجهة نظرهم أن الخطة الخمسية العاشرة في سنتها الثانية، وما زالت المحافظات لم تعلن عن خططها التنفيذية لعامة الناس، والقلق أن تصل عام ٢٠٢٥م، ولم يلاحظ المواطن أي تغير جوهري ملموس.
هناك من يرى أنَّ إنعاش المحافظات سيظل حلمًا صعب الوصول إليه، وسيظل يراوح الألسن والإعلام، وهناك من يرى أنه صعب ومعقد لكنه ليس مستحيلا، والناحية التحضيرية من جميع جهاته تحتاج إلى الوقت الكافي لضمان أول تجربة لتطبيق مفهوم استقلالية تنمية المحافظات، وبين المتفائل والمتشائم هناك وجهة نظر تتسم بالواقعية، والمدرسة الواقعية هي المبنية على تحقيق الأهداف المنشودة لكن بتطبيق عدد من العناصر، أو توفير عوامل النجاح، وأهمها:
الجدول الزمني: ولا يعني الجدول الزمني فترة الصرف، فذلك أصبح معروفا، لكن يعني أكثر من ذلك، فالمطلوب الإعلان عن المشاريع المختارة وجداول تنفيذها في الميدان، وإلا سيكون هناك فراغ زمني يزعزع ثقة الناس بموضوع تنمية وإنعاش المحافظات برمته.
سرعة إقرار المشاريع:
ولا يعني ذلك العجلة، ولكن يقصد بالجدية والالتزام، ووضع ذلك في قمة الأولويات، فالبطء الشديد يؤدي إلى فقدان الثقة والملل وخفت بريق مفهوم إنعاش المحافظات، وعلى الحكومة القيام بأفضل ما يمكن القيام به تفادياً لأي اخفاق خاصة مع التجربة الأولى.
الأدلة الاسترشادية: وضرورة توفيرها للمحافظات مبكرا، وهذه الأدلة غاية في الأهمية خاصة وأنَّ التجربة غير ناضجة بما هي كافية، وأي إهمال بتوفير هذه الأدلة التوضيحة والاسترشادية يعني التأخير في التنفيذ، والارتجال في القرارات، والتباين في المشاريع بين محافظة وأخرى.
الفرق البشرية الداعمة: وهو عدم الاكتفاء بالأدلة الاسترشادية فقط، وإنما تحتاج مكاتب المحافظين إلى فرق داعمة مؤهلة تأهيلا جيدا، وتستطيع الرد من جميع النواحي على كل أصحاب القرار في مكاتب المحافظين والبلديات وأعضاء البلدية واللجان المحلية وغيرهم، عملهم جوهري ويعجل من تنفيذ المشاريع، وهو عنصر مكمل مهم مع الأدلة الاسترشادية، وهذا التكامل سوف يمكن من تطوير هذه الأدلة وجعلها مرنة ومواكبة للمتغيرات والمستجدات.
آليات التواصل: تنمية المحافظات تهدف لعدد من الأهداف الجوهرية منها تحقيق اللامركزية، وتقليل البيروقرطية، ورفع كفاءة عمل المحافظين، وتطوير كافة مناطق السلطنة، عليه فمن الأهمية إيجاد آلية واضحة وعملية للتواصل بين وزارة الداخلية والمحافظ والولاة والمجلس البلدي والأهالي، والجهات المركزية كوزارة المالية والاقتصاد وغيرهم لكي يكون الجميع على دراية بقنوات التواصل الصحيحة وصلاحياته ومسؤولياته.
المؤتمرات الدورية: تجربة تنمية المحافظات تعتبر في بداية طريقها، وإن كانت جديدة في السلطنة، لكنها ليست كذلك في بقية الدول، ولا يمنع الاقتباس بعض المكونات من التجارب الناجحة، إضافة إلى استعراض أفضل النماذج التي قام بها مكاتب المحافظين- إن وُجدت- ليستفيد منها الآخرون، أو توجيهات مجلس المحافظات للمحافظين، والاستماع المباشر إلى وجهات نظر المحافظين أو الولاة، أو الاستماع إلى أطروحات الفرص والتحديات التي قد تواجه التجربة من خلال مؤتمرات دورية، فنجاح التجارب ونضجها يحتاج إلى حوار شفاف ونقاش مستمر وأخذ ورد، وعدم الاكتفاء بالمراسلات المكتوبة فقط، والمهم في ذلك ألا تتوقف هذه الحوارات البناة لأن تطلعات الناس مستمرة وفي تطور مستمر.
ختامًا.. تنمية المحافظات وإنعاشها اقتصاديا واجتماعيا يتطلب عملا جبارا مستمرا، وكلما كانت هناك أعمال تحضيرية كافية، كلما استطاعت الجهات المعنية أن تعمل بشكل احترافي وتوفير عناصر النجاح، وكلما توفرت عناصر النجاح، تمَّ ضمان نجاح ونضج التجربة، وتحقيق الأهداف المنشودة، والعكس بالعكس.