تنمُّر نملة!

 

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

(1)

- نعتذر، لا يحقُّ لك أن تُشارك في البرنامج التدريبي القادم.

- ما السبب؟

- قد تفُوق المُتوقَّع، وهذا أمر لا يُبشر بخير.

- أتعني لأنني نملة عاملة كادحة.

- نعم، هو كذلك.

...

إنَّه حوارٌ افتراضيٌّ بين نملة نشطة عاملة ومُراقِب مسؤول مُتنمِّر.

قرَّرتُ أن أكفَّ عن كوني نملة كادحة نشطة، وأن أكون نملة مُسترخية غير مبالية، هل يجب أن أُعِيد على مسامعكم تصريحي الجديد وبصيغة أخرى:

كَوْني نملة نشطة، تستفزني تعليقات اليائسين المبشرة والواعدة بالتغيير، هم كمن يتحدَّث عن الأمل ولا يزيد الطين إلا بلة، بتصريحاتٍ تثقب طبلة العقل والواقع معًا.

فتزحَفُ الأسئلة إلى عقولنا كنمل نشط: هل تعني كل هذه التصريحات المجلجلة أنَّ الواقع لم يأت بعد؟ وهل نحن قوم "نملاوي" نشط بحاجة ماسة لطبيبٍ يُبلغنا بأنَّ وضعنا ميؤوس منه، وأنَّ كل حديثنا عن المحاولة والمقاومة مُستحيل وما هو إلا محض فرقعة صابونية جميلة وناعمة تُزيِّن التصريحات العامة، ولا أساس لها من الصحة، وغير مُجدية.

(2)

أيُّها النمل العظيم، أيها الكادحون بنشاطكم الدائم، نحن نصل إلى القمة ونأمن قرصات الشتاء، هلمُّوا، واصطفوا، واستووا، والآن ها هنا قفوا، وليُعلِم حاضركم غائبكم بأنَّ المادة الرابعة من قانون الإشغال الجديد تكفل لكم العمل لمدة عاميْن قابلة للتجديد، وقابلة للإنهاء كذلك من أيٍّ من الطرفين.

قفزتْ الأسئلة المُتناحرة تلو الأخرى:

- وماذا بعد عامين؟ وماذا إذا تمَّ فسخ العقد؟ وماذا وماذا وماذا...؟

- نظاااام.. رجاءً التزموا الهدوء.

- إذا تمَّ إنهاء عقد أحدكم، فذلك يعني أنه انتهى كنملة.

تعالتْ الصَّرخات المُستنكرة، وماذا إذا انتهيت كنملة؟ ماذا سيحدث لي، ولنا، ولهم؟!!!!

- الغَوث، الغَوث.. ماذا أكون إذا لم أكن نملة؟

(3)

- مَحكمة استئناف النمل العُليا، أيُّها القاضي المبجَّل، أنت بلا ريب حصيف وعادل، ونحن نملٌ نبحثُ عن إنصافٍ ضد بنود وقوانين مجحفة، ما زادتنا إلا كمداً وغِلْظَة، ورفعت فوق رؤوسنا المَرَدَة المتنمِّرين، أنصفنا أيُّها المبجل.

- الحكمة تقول: إنَّ أولى الخطوات هي الاعتراف بالواقع كما هو، حقيقته وكل تعاسته، ولا تزيفوه ولا تخففوا من سوداويته، تعلمون أنَّ هناك شخصيات قميئة، هذا واقع، والمتنمرون كُثُر وهذا أيضًا واقع، فما لكم إلا التصبُّر والتجلُّد.

قفزتْ نملةٌ نشطة: أيُّها المبجل، هل تعني بأن نتوقف عن كوننا نشيطين، وننزوي مع أشقائنا المنزوين؟

- نعم، هو كذلك.

- ولِمَ أنت قاضٍ إذن؟ فأنت غير مجيد، ودُون المتوقع.

- لِمَ علينا كنمل نشط ومكافح دؤوب أن نعمل بجد، وفق منهجية إجادة؛ ليتم بعدها إنهاء خدماتي بتوقع قميءٍ أو مُتنمر؟

(4)

حين كُنت نملة نشطة، كنت أفكر بالتجميع والتحصين والتخزين لكي يعبر الشتاء بسلام ودون خسائر تُذكر، أمَّا بعد وضع المادة الرابعة فقد قررت أن أكون نملة مُتنمِّرة أسوةً بالجميع، فبدلًا من ارتداء ثوب التعاسة، وانتظار صعود شخص قميء يُدرك فواصل القانون، ويطوِّعه ليتنمَّر على النمل النشط الكادح، فعليَّ كنملةٍ نشطةٍ أن أتحوَّل إلى مُتنمِّرة.

وهذا سؤال مُوجَّه للنمل فقط: هل جعلُوك مُتنمِّرا؟ أم أنك تنتظر الفرصة لتكون مُتنمرا؟ أم أنك فَطِن وتعرف كيف تستخدم القانون لتكون مُتنمِّرا؟