خليفة بن عبيد المشايخي
عندما اعتلى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- الحكم في الثالث والعشرين من يوليو من عام 1970 للميلاد، فإنَّ مما أراده وعمله هو إيجاد تشريعات وقوانين وأنظمة ومؤسسات مصرفية تعنى بالمال والأعمال، فكان إنشاء البنك المركزي العماني حاضرا في الذاكرة؛ إذ تفضل السلطان قابوس- رحمه الله- وعين في فترة من الفترات سعادة الأستاذ حمود بن سنجور الزدجالي؛ ليكون رئيسا تنفيذيا له في العام 1991 بموجب مرسوم سلطاني، ليكون سعادته عقب هذا التكليف السامي، ثاني رئيس تنفيذي لبنك مركزي في العالم استمر في منصبه لفترات طويلة. ومن خلال هذا التكليف والتشريف السامي له، بقي سعادته فيه حتى سبتمبر من عام 2017، أي 26 عامًا قضاها شخصه الكريم في هذا المنصب والقطاع المصرفي الحيوي والمهم والمتفرد بخدماته ومعاملاته، جامعا بين النجاح والتفوق والتميز في عمله، وبين التواضع في تعامله مع الناس والزبائن وعملاء البنوك بالسلطنة وخارجها، والإخلاص والتفاني فيهما. وقد عمل سعادته قبل ذلك التكليف السامي، في مؤسسات مصرفية أخرى، وكانت الحصيلة 48 عاما قضاها في خدمة القطاع المصرفي العماني.
إنَّ سعادته شاهدٌ على عصرين؛ الأول: ما قبل النهضة المباركة، والثاني ما بعدها، ما يعني أنه رجل ذو خبرة وقف على العديد من الأحداث الوطنية المهمة، وإلى جانب ذلك فهو شخص خدوم بشوش مشهود له بالسيرة الحسنة وبالكفاءة والاحترام والتواضع، متحليًا بصفات عديدة، جعلت منه شخصية مجتمعية راقية ومحبوبةً.
وحينما اتحدث في هذا المقال عن سعادته فإنني لا أتحدث مجاملة أو محاباة له؛ فالحق يقال، إذ إننا وجدناه كريمًا جدًا ومثقفًا ومتعلمًا، وذا فكرٍ عالٍ مستنير، اكتسب خبرات حياتية عديدة، لاسيما في التعاملات المالية والمصرفية وغيرها، وذلك من خلال تبوئه لمناصب ومسؤوليات كثيرة تنقل فيها. إضافة إلى أنه رجل خيِّر وشهم، فهو رجل وطني بالدرجة الأولى، محبٌ لوطنه ومخلصٌ لعمله؛ فكانت جهوده وأعماله المخلصة التي أداها وقام بها، أحد الأسباب التي أدت إلى نمو وتطور القطاع المصرفي والمالي في السلطنة، فطوال 26 عامًا التي شغل فيها منصب رئيس تنفيذي للبنك المركزي، كان رجلًا عمليًا وشعلة من النشاط والحماس، فتنوعت الأنشطة الاقتصادية، والمصارف والعملات ومؤسسات المال في السلطنة أثناء فترة عمله؛ حيث نجحت الدولة في استقطاب الأموال، وأصبح الناس في أمن واطمئنان على ودائعهم المالية.
وبعد أن تقاعد سعادته من العمل، لم يتوقف عن العطاء وخدمة المجتمع؛ بل أخذ على عاتقه نقل خبراته لغيره، سواء لجميع العاملين في القطاع المصرفي العماني في الماضي والحاضر والمستقبل، وكذلك لفئة الشباب الذين هم في مراحل الدراسة، والذين هم بدون شك عماد المستقبل وأمل الوطن، وذلك عبر كتاب اشتغل عليه بإخلاص وتفان، أسماه "48 عامًا في خدمة القطاع المصرفي العماني".
وتواجد الكتاب في معرض مسقط للكتاب الذي أقيم مؤخرا على أرض السلطنة، والذي حظي به جناح مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر، وجاء في أربعة فصول مع مقدمة ومواضيع عدة، يمكنك أيها القارئ العزيز الاستفادة من الكتاب بشكل جيد حتى وقتنا هذا.
بهذا الكتاب، أثرى سعادة الأستاذ حمود بن سنجور الزدجالي المكتبة العمانية بمؤَلَفٍ قيم مميز تزخر مادته الثرية بالمعلومات، وغنية بالحسنات والإيجابيات، فهو كتاب مثير للاهتمام، ويجذب انتباهك منذ الوهلة الأولى، فهو إلى جانب أنه كتاب متخصص، إلا أنه كتاب تتميز مادته بالتشويق والإثارة، فيزيد من معرفتك ومستواك الثقافي، ليس ذلك فقط في مجال الصيرفة والبنوك والمال والأعمال، بل في جوانب علمية وثقافية مختلفة.
إن كتاب "48 عامًا في خدمة القطاع المصرفي" عند اقتنائك له عزيزي القارئ، ستقف على مضمونه ومادته الممتازة وكل ما حواه، ناهيك عن أنه كتاب مفهوم وواضح وجلي. ولا يخامرني شك أنه سيكون على الدوام جليسك، فمؤلفه لم يتكلف فيه أو يتصنَّع الإبداع والتميز، حاشا وكلا، بل جاء الكتاب مبسطا وسهلا بسبب فهم وثقافة مؤلفه وسعة اطلاعه، ويعد ثروة وإرثا للأجيال والأمم القادمة.
إن معرض مسقط للكتاب وإن أسدل الستار عليه وانفض بحسناته، إلا أن الكتاب يتواجد ويتوفر في مكتبات عديدة بالسلطنة، وهذه دعوة مني للجميع لاقتنائه لما فيه من الفائدة العظيمة للجميع، وألا تفوتوا فرصة وجوده في مكتباتكم.
نفعنا الله به وبعلم سعادة الأستاذ حمود بن سنجور الزدجالي، فكل الشكر والتوفيق والدعوات الطيبة لسعادته على ما قدَّم، وجعل ما قام به في ميزان حسناته بإذن الله تعالى، والله الرحمن ولي التوفيق.