لماذا لن تستخدم روسيا الأسلحة النووية في الحرب الأوكرانية؟

 

د. رفعت سيد أحمد

مع استمرار دوي المدافع في أوكرانيا ثمة تساؤلات تطرح وبقوة بعد أكثر من أسبوعين من الحرب الروسية على أوكرانيا: هل سستستخدم روسيا بعضا من أسلحتها النووية(التكتيكية أو الاستراتيجية)حسمًا للمعركة مع أوكرانيا ولجما للغرب لإيقاف عقوباته الاقتصادية القاسية والمتتالية عليه؟ وأي الدول ستكون الهدف: أمريكا أم أوكرانيا الجار؟ أم إحدى العواصم الأوروبية بقواعدها العسكرية؟

الاسئلة عديدة في هذا الملف لكن في تقديرنا أن الإجابة ستكون واحدة مهما طال أمد الحرب واشتد سعارها الاقتصادي والعسكري وهو: لا لن تستخدم الأسلحة النووية.. أما لماذا؟ فالإجابة أن تلك الأسلحة بتنوعاتها المختلفة أنشئت للردع وليس للاستخدام لأن من سيستخدمها سينتهي هو أيضًا من الوجود البشري.. هي إذن أسلحة للتخويف والردع المتبادل وللابتزاز السياسي وليس للاستخدام الفعلي، اللهم إلا إذا أوصل الضغط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إحدى الدول المالكة لتلك الأسلحة إلى حافة الهاوية واليأس الشديد وغياب البدائل تماماً أمامها عندئذ قد تكون (بعض) وليس كل الأسلحة النووية أداة للاستخدام لتقليل هذا الضغط ولفتح الطرق المغلقة أمام الدبلوماسية.

ولعل ما يرجح عدم الاستخدام الروسي لتلك الأسلحة رغم الأوامر التي أعطاها بوتين لوزير دفاعه ورئيس أركانه بالاستعداد والتأهب؛ هو معرفة ما لدى أبرز الأطراف في هذه الأزمة الدولية الكبرى من ترسانة نووية جبارة تردع من يفكر في البدء بالاستخدام وهي معرفة باتت اليوم ضرورية لفهم الإجابة التي صدرنا بها هذا المقال والتي نستبعد فيها أي استخدام للأسلحة النووية (ولا حتى صواريخ تكتيكية جزئية الهدف) في الحرب الأوكرانية- الروسية.. فماذا عن تلك الترسانة تقريبًا لأنه ليس لدى العالم كله أرقام قاطعة ونهائية عن تلك الترسانات؟

أولًا: ماذا تمتلك روسيا من أسلحة نووية؟ طبقًا لاتحاد العلماء الأمريكيين (منظمة غير حكومية)، يمتلك الروس 5977 رأسا حربيا نوويا، وهي المسؤولة عن إطلاق التفجير النووي، على أن هذا العدد يتضمن حوالي 1500 رأس خارج الخدمة.

أما الـ4500 رأس المتبقية فتعتبر في معظمها سلاحا استراتيجيا؛ سواء كانت صواريخ باليستية، أو صواريخ أخرى، يمكن تصويبها على مسافات بعيدة. وتلك هي الأسلحة التي عادة ما تصاحب الحرب النووية.

أما البقية فهي أصغر حجما، وأقل تدميرا، وهي تستخدم للأهداف الموجودة على مسافات قصيرة في ساحات القتال أو في البحر ولروسيا في الوقت الراهن نحو 1500 رأس حربية نووية "منشورة"، بمعنى أنها موضوعة على قواعد ومنصات إطلاق الصواريخ والقاذفات أو على الغواصات في البحر. (وباحتمالات ضيئلة قد يحدث استخدام لها في أوكرانيا أو مع بعض العواصم الأوروبية .. إذا ما ازداد الضغط الأمريكي الاقتصادي والدعم العسكري الأوروبي لأوكرانيا مما يؤدي إلى إطالة أمد الحرب وإغلاق الطرق البديلة للانتصار الحاسم أمام روسيا!).

ثانيًا: الولايات المتحدة الأمريكية وترسانتها النووية: بعد موسكو تأتي ثاني أهم دولة عالمية تمتلك أسلحة نووية الولايات المتحدة الأمريكية والتي تمثل الرادع الأقوى عالميا ضد موسكو ووفقا للدراسات المنشورة يمتلك الجيش الأمريكي 3750 رأسا نوويا مفعلا أو غير مفعل. وهذا العدد هو الأدنى منذ بلغ المخزون النووي الأمريكي ذروته في أوج الحرب الباردة مع روسيا في 1967، عندما كان 31255 رأسا حربيا. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان: إن "زيادة الشفافية بشأن المخزونات النووية للدول مهم لجهود منع الانتشار ونزع السلاح".

ثالثًا: أسلحة الصين النووية.. يحدثنا التاريخ أن ماو تسي تونج قرر بدء برنامج أسلحة نووية صيني خلال أزمة مضيق تايوان الأولى بين عامي 1954 و1955 حول جزر كنمن وماتسو. في حين أنه لم يتوقع مجاراة ضخامة الترسانة النووية الأمريكية، اعتقد ماو بأن امتلاك بضع قنابل نووية سيزيد من المصداقية الدبلوماسية للصين.

وبدأت أعمال بناء معامل تخصيب اليورانيوم في كل من بانتو ولانتشو عام 1958، ومنشأة للبلوتونيوم في جيوغوان ومنطقة الاختبار النووي لوب نور عام 1960. قدم الاتحاد السوفيتي العون خلال بدايات البرنامج الصيني عبر إرسال مستشارين للمساعدة في المنشآت المخصصة لإنتاج المواد الانشطارية، ووافق في أكتوبر عام 1957 على تقديم نموذج أوليّ لقنبلة وصواريخ وتقنيات ذات صلة. الصينيون الذين فضلو استيراد التقنيات والمعدّات لتطويرها في الصين، صدّروا اليورانيوم للاتحاد السوفيتي، وأرسل السوفييت لهم صواريخ آر-2 عام 1958.

وأجرى الصينيون أول اختبار نووي لهم، تحت الاسم الرمزي 596، في 16 أكتوبر عام 1964، واعترفوا بأنه كان من المستحيل لبرنامجهم أن يُكتب له النّجاح لولا مساعدة السوفيت. أجرت الصين اختبارها النووي الأخير في 29 يوليو عام 1996. بحسب المنظمة الأسترالية للمسح الجيولوجي في كانبيرا، بلغت قدرة الاختبار الذي أُجري عام 1996 من 1 إلى 5 كيلوطن. كان ذلك الاختبار الثاني والعشرين تحت الأرض، والاختبار الخامس والأربعين بشكل عام.

وقد قدّمت عدة تقارير للحكومة الأمريكية تقديرات تاريخية. ويخمن موجز تقديري تابع لوكالة استخبارات الدفاع عام 1984 المخزون النووي الصيني بأنه مؤلف بين 150 إلى 160 رأس حربي. يقدّر تقرير صادر عن مجلس الأمن القومي الأمريكي قوة الردع النووي للصين من 60 إلى 70 صاروخ باليستي مسلّح نوويًا. يقدّر تقرير العقود القادمة الصادر عن وكالة استخبارات الدفاع عام 1999 مخزون الأسلحة النووية بين 140 إلى 157. صرّحت وزارة الدفاع الأمريكية عام 2004 بامتلاك الصين 20 صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات قادرًا على استهداف الولايات المتحدة. بيّن تقدير أرسلته وكالة استخبارات الدفاع عام 2006 للجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للخدمات المسلحة «امتلاك الصين حاليًا أكثر من 100 رأس حربي نووي».

رابعًا: خلاصة توازن الرعب النووي عالميا تقول إن تسع دول تمتلك أسلحة نووية. هذه الدول هي: الصين، وفرنسا، والهند، وإسرائيل(وهذه هي الدولة الوحيدة في العالم التي تخفي المعلومات عن ترسانتها النووية ..لأنها ببساطة دولة عدوان وإرهاب دولي!)، وكوريا الشمالية، وباكستان، وروسيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.

وتفيد إحصاءات نشرها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في يناير 2021، تشمل الرؤوس الحربية التي سحبت ولم تدرج في أرقام وزارة الخارجية الأمريكية، أن الولايات المتحدة تمتلك 5550 من هذه الرؤوس مقابل 6255 لدى روسيا و350 لدى الصين و 225 لدى بريطانيا و290 لدى فرنسا. 

مذا تعني هذه الأرقام المرعبة للرؤوس النووية؟

إنها باختصار تعني ألا أحد من هؤلاء الكبار أصحاب القدرات النووية بقادر علي استخدامها؛ لأن هناك من يمتلك مثله وربما أكثر منه أسلحة نووية مضادة، هي إذن للتخويف والابتزاز والردع وليس للاستخدام.. إلا عندما تغلق كل أبواب الحوار السياسي وتستنفذ الأسلحة التقليدية دورها، وهذا في ظني لا ينطبق على حال روسيا في حربها مع أوكرانيا؛ هي تهدد وتردع ولن تستخدم، فقط ربما إذا ازداد حمق الغرب وتجاوزت الانفعالات السياسية والضغوط الاقتصادية حدها الأقصى.. ساعتها قد تفعلها موسكو أو كوريا الشمالية.. وهذا كما قلنا مسبقاً احتمالاته ضيئلة للغاية، وأزمة أوكرانيا ستجد تسوية سياسية استراتيجية في نهاية المطاف تضمن مصالح الأمن القومي الروسي مع مصالح الغرب الأوروبي والأمريكي.

والله أعلم.