كامبرديج.. أمّا بعد!

 

سعيدة بنت أحمد البرعمية

 

قرأتُ بعض التغريدات في تويتر، حول رسمة لفتاة في أحد الكتب الدراسية، تظهر بعضا من خصل شعرها، أُثير حولها بعض الجدل والتعصّب والآراء، ونُظِرَ للأمر من مبدأ قِيمي وديني وتربوي، علمًا بأنَّ الطالب يعي جيدًا أنها رسمة، كما أنَّه يرى في يومه على أرض الواقع أشخاصًا بهيئات مختلفة من الحرية في اللبس؛ سواء في الشارع أو في الأسواق أو من شرفات البيت.

وتتكرر المشاهد ذاتها أثناء مشاهدته التلفاز ومختلف التطبيقات في جهاز الحاسوب أو الهواتف الذكية والأيباد والألعاب الإلكترونية. والواقع يُحدّثنا بما هو أعظم من صورة أو بالأحرى رسمة في صفحة كتاب؛ حيث إنّ أغلب الطلبة يرون على أرض الواقع، صورًا ومقاطع أكثر جرأة في اللبس من تلك الرسمة، وقبل تجاوزهم سن السادسة والتحاقهم بالمدارس، فأغلب أولياء الأمور لا يترددون في شراء مختلف الأجهزة الذكية لأبنائهم، من باب الترفيه والحب والتدليل، والبعض يستخدمها في غياب رقابة الأهل، والأمثال كثيرة، يكاد لا يخلو منها بيت.

كان في المنهج القديم صور مماثلة، ولم يكن لها أثر سلبي على السلوكيات الأخلاقية ولا النشأة الدينية، مع أنها في زمن ما قبل العولمة والتكنولوجيا، وربما تكون المناهج في ذلك الوقت لها تأثير أكبر؛ كونها المصدر شبه الوحيد للمعلومات.

لقد علا أزيز وقعقعة أسلحة معركة الأسئلة والآراء المتناحرة، حول منهاج كامبرديج دون التفات يُذكر من القائمين على تطوير المناهج.

هل قدّم كامبرديج للأجيال ما يُرجى تقديمه من التحصيل والمعرفة، هل أثبت كامبرديج من خلال اعتماده لسنوات مضت أنه مناسب للقدرات الاستيعابية للطلبة، وأسس أجيالًا تأسيسًا جيدًا؟ إن كانت الإجابة نعم، فأين الدراسة التي تثبت ذلك؟ وإن كانت لا، فحتما هناك فجوة تستحق المعالجة.

نؤمن أنّ هناك إيجابيات وتحديات تلازم أيّ منهاج أو أيّ برنامج سواء تعليمي أوغيره؛ ويُنتفع به بقدر إيجابياته، ويتحقق العكس كلما طغت وتوغلت تحدياته.

من الملاحظ وجود إيجابيات للمنهج من حيث وجود سلاسل كتب النشاط المصاحبة للمساقات التي بدورها تعين الطالب وتعزّز الفهم وترسيخ المعلومة، كذلك الأنشطة المعروضة تتوفر أدواتها من بيئة الطالب، ومعظم الدروس تنتهي بنشاط معزّز للفهم، كما إنّ كتاب النشاط يعزّز تفريد التعليم، كما يراعي المنهاج مناسبة محتواه للفئة العمرية والتنوع في الدروس وارتباط معظمها ببعضها من حيث ما تم دراسته في الصفوف السابقة وما سيدرس في الصفوف اللاحقة، أيضًا وجود معايير النجاح التي تجعل من السهل معرفة المعلومات المراد اكتسابها.

أمّا التحديات فتكمن في صعوبة بعض الدروس على الطلاب؛ نظرًا لنقص بعض الأساسيات لديهم، وصعوبة تحقق بعض الأهداف المهارية؛ لعدم توفر الأجهزة والأدوات التي تحققها، كما إن زمن الحصة لا يتوافق مع كمية محتوى الدرس، خاصة في المدارس التي تعمل بنظام الفترتين، أيضًا ما يقع على المعلم من عبء يحدّ من إبداعه وعدم تحقق كافة الأهداف المرجوة؛ جرّاء كثرة الأعمال التي توكل إليه من قبل المدرسة، علاوة على أنّ طريقة عرض الدرس في صفحات الكتب غير مناسب ومشتت للطالب- وهو العرض على شكل عمودين- كذلك الغموض المصاحب لبعض الأنشطة، وعدم وجود الدقّة العلمية والركاكة في بعض المواضيع وعدم مواءمتها للبيئة العمانية بالشكل المطلوب، كذلك غياب العمق والقوة العلمية في دروس المنهج والترتيب المناسب أحيانا، كما يتطلّب الأمر إنفاق مالي كي تحقق الفلسفة المنهجية أهدافها.

نأخذ على سبيل المثال منهج كامبريدج للعلوم والرياضة، له من الإيجابيات أنه منهج عالمي متخصص في الاستفادة من الخبرات العالمية وتقليل الفجوة بين التعليم المدرسي والتعليم الجامعي، كما إنه منهج قائم على التأليف لا التوليف (حسب مصفوفة المدى والمتتابع) ووضوح الأهداف، كذلك التسلسل والترابط في الأفكار والطرح والأهداف التعليمية بحياة الطالب.

أمّا التحديات، فتتمحور حول كثافة المنهج مقارنة بالفترة الزمنية للتنفيذ، وعدم توفر المعينات التعليمية المطلوبة للمنهج، وعدم تقبل الطلبة لنظام التقويم، كذلك عدم تقبل المجتمع للمنهج. وعدم وضوح سلسة المنهج بشكل كامل؛ فكل فصل ينزل محتواه على حده.

لا يأتي فصل دراسي إلاّ وهو مصاحب بسيل جارف من الأسئلة والتذمّر، لماذا يتم الحشو في بعض المواد وإخضاعها للكم دون الكيف، في المقابل ضحالة ملحوظة لمادة التربية الإسلامية

وتقليص محتواها وأهدافها، من تربية إسلامية إلى ثقافة إسلامية، دون مراعاة للبعد الديني والقيمي، هل مادة المهارات الحياتية مهمة للطالب وأضافت إضافة ذات أهمية في المنهج، هل كثرة الأنشطة التي يُكلّف بها الطالب والتي غالبًا ما يقوم بها ولي الأمر، لها أثر معنوي وتحصيلي على الطالب، هل عدم توفر الكتب بشكل كاف لفصلين متلاحقين يهيئ لنظام حوسبة المناهج التعليمية، هل حقق كامبرديج هدفه في تقليل الفجوة بين المناهج في المدرسية والجامعية وتم الاستغناء عن البرنامج التأسيسي في الجامعات؟

أليست هذه التحديات الدراسية أهم في الطرح والمعالجة من الاحتجاج على رسمة، ألا يرى القائمون على خطط تطوير المناهج أن السنوات التي مضت كفيلة بأن توضح مدى فائدة كامبرديج من عدمها؟

أكثرتُ في مقالي من الأسئلة المعلّقة، كما عنونت له "بكامبردج.. أمّا بعد" وراق لي أن أختمه بـ"أمّا بعد"، فنحن كلما انتقلنا في مقالاتنا من طرح إلى آخر، نجد أقلامنا تخطب مرة أخرى من منبر قس بن ساعدة، ولكن دون أن تُسمع؛ فتجتهد لتُسمع.