يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"قضيت أمسية كاملة في قراءة مواضيع اخترتها من مجلتين "العربي" ولن أسميها كويتية؛ لأنها لكل العرب ومجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس" باللغة الإنجليزية.. وما يجمع بين المجلتين تحقيقات راقية ومراجعة بعض أهم الكتب عن السياسة إلى الرواية وأحيانا الشعر". جهاد الخازن (1).
ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب أقامت اللجنة الثقافية مساء السبت الموافق السادس والعشرين من فبراير بمسرح المدرج محاضرة حول الحضور العُماني في مجلة العربي الكويتية، تحدّث فيها إبراهيم المليفي رئيس تحرير المجلة، وهي المحاضرة التي قدمت لها الباحثة في التاريخ د. أحلام الجهورية،وقد تناولت المحاضرة محورين هما: "الحضور العُماني في مجلة العربي" و"مستقبل النشر الرقمي والتحول الإلكتروني".
ولعل إقامة المحاضرة في يوم السادس والعشرين من فبراير فيه رمزية كونه يمثل ذكرى يوم التحرير من الغزو العراقي، ولا أعلم هل كان هذا متعمدًا من اللجنة المنظمة أم جاء صدفة، كذلك لاحظت الاهتمام الواضح إعلاميًا، ومن خلال وسائل التواصل بتواجد مكان لمجلة العربي بالمعرض، وهي المرة الأولى التي تقوم "العربي" بالمشاركة في معرض الكتاب بمسقط؛ حيث شاركت هذه السنة بناءً على دعوة رسمية، وكان ملفتًا الاحتفاء الكريم المستحق الذي قوبلت به وجود المجلة العريقة، ومشاركتها الثرية بالمعرض.
وبالنسبة للمحاضرة أيضًا ومن خلال تحضير هذا المقال، لاحظت أن اختيار مقدمة المحاضرة الدكتورة أحلام الجهورية لربما أيضًا له رمزية معينة؛ حيث إن لها بحثًا منشورًا عن ذات المجلة، واختيارها كان موفقًا، للفكرة الكافية التي تحملها عن العربي، وقد يكون ذلك سببًا لاختيارها. (2)
ورغم الاحتفاء الكريم، لاحظت أن المحاضرة التي أقيمت الساعة السابعة والنصف مساء لم يكن تنظيمها موفقًا؛ حيث لم تراعِ أهمية تسجيل المحاضرة مرئيًا أو تلفزيونيًا أو حتى تسجيلًا يُعرض على المنصات المتخصصة؛ نظرًا لأهميتها، كذلك كان الحضور خجولًا من الجمهور، رغم الحضور النوعي (3)، ولا أعلم ما سبب ذلك؟ هل مثلًا ضعف الإعلان عنها؟!
حتى وسائل الإعلام الصحفية لم تذكر المحاضرة سوى في جريدة يومية واحدة! ولعل هذه الأمور الخارجة عن الإرادة بالتأكيد يتم تلافيها في المناسبات المقبلة.
المحاضرة كانت قيّمة، تخللتها معلومات غزيرة، وأسهب رئيس التحرير في التحدث حول المجلة العريقة، وكان التاريخ حاضرًا لم يغب، فقد ذكر أن عُمان كانت قبل النهضة المباركة شبه مغلقة تمامًا على وسائل الإعلام، وقتذاك كانت "العربي" تجول وتصول في أنحاء الوطن العربي، وفي بداية حكم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- كانت "العربي" من أوائل الوسائل الإعلامية العربية التي دخلت السلطنة، وتكرر الأمر حتى أصبحت 9 من أغلفة المجلة وعناوينها عُمانية، وهو ما يدل على الحضور العماني ذي الأثر الإيجابي في هذه المطبوعة العريقة، كذلك لفت الأستاذ المليفي إلى أن عددًا من المحررين والمصورين العمانيين عملوا ضمن طاقم المجلة ولهم جهود ومساهمة بالكتابة في المجلة.
و"العربي" كما ذكر رئيسها، هي هدية الكويت لكل العرب، وقد تميزت من حيث جودة الطباعة، التنوع، والإستقلالية (رغم أنها مطبوعة حكومية) والسعر المناسب، ولعلها بالفعل المطبوعة العربية الأكثر شهرة وتأثيرًا قبل التحولات الإعلامية التي غيرت وجه الإعلام رأسًا على عقب؛ حيث القنوات الفضائية والإنترنت ووسائل التواصل وتطبيقات البرامج المختلفة، إلا أنها ما زالت تقاوم؛ بل ووضعت لنفسها خططًا للتحول الرقمي مواكبة لثورة التكنولوجيا؛ حيث بدأت أسرة المجلة بتوثيق أعداد المجلة بدءًا من عام 1991م، وما زال حضورها مناسب في وسائل التواصل، وبحسب رئيسها فإن التوجه قائم لترسيخ تواجدها رقميًا؛ حيث وضعها بتطبيق رقمي لتكون بمتناول القارئ في أي مكان وزمان.
مجلة العربي عريقة جدًا، لها في نفس كل قارئ عربي مكانة مميزة، أتذكر منذ سنوات طويلة وأنا كغيري من الآلاف الذين يتلهفون انتظار صدور العدد الشهري الجديد لها لاقتناءه بشوق، نظرًا لحصافة المجلة وثقلها الثقافي ومصادرها الموثوقة، وهي التي صدر العدد الأول منها في ديسمبر عام 1958م، وكان أول رئيس تحرير هو المفكر الكبير د. أحمد زكي وتعاقب على رئاستها العديد من القامات الثقافية المعتبرة، إلى أن ترأسها الرئيس الحالي منذ 2014. ورغم اختلاف الأزمنة بدءًا من مرحلة تأسيسها أثناء المد القومي العربي، وصولًا لزمن وسائل التواصل، إلا أنها ما زالت تقدم الإنتاج الثقافي القيِّم وتزخر أعدادها بمقالات جديرة لأفضل المثقفين العرب.
لعل من مفاجآت وجود المجلة بمعرض مسقط أن فتاة الغلاف العمانية في عدد يونيو 1971م، الفاضلة / محفوظة الرواحية، قد كرمتها المجلة بمقرها في المعرض بعد أكثر من 5 عقود من نشر صورتها وهي فتاة صغيرة، وهو ما حدث بعد إعلان للمجلة عن البحث عن تلك الطفلة التي زينت غلاف العدد قبل خمسين عامًا، وهو تكريم لتاريخ المجلة وأثرها بعد عقود من التميز والإبداع والتفرد، فهي قبل أن تكون مجلة أيقونة تجمع جميع قراء العربية من عرب وغيرهم، ستستمر بإذن الله رسالة ثقافة ومعرفة وعلم، برعاية كريمة من حكومة دولة الكويت التي أسبغت عليها الرعاية المستحقة، كمعلم ثقافي كويتي لكل العرب.
________
- د. بدر عبدالله المديرس: "مجلة العربي مجلة كل العرب"، نشر في جريدة الوطن الكويتية في 31 يناير 2016.
- د. أحلام الجهورية: "عُمان من خلال استطلاعات الصحفي سليم زبال"، نشر في جريدة الرؤية العمانية في 22 سبتمبر 2019.
- عبدالمنعم الحسني وزير الإعلام العماني في الفترة من فبراير 2012 إلى أغسطس 2020.