ديمقراطيات الجنون

 

عائض الأحمد

 

من كان يدور بخلده أو فكر أو حلم في شتاء بارد يشير لصفر، بأن هناك من لازال يشعل فتيل الحرب والقتل والتَّشرد متلذذا بهما معًا، لنشر ثقافة الواقع المر، واستعراض القوة، لمجرد اختلاف سياسي لم يصل إلى الخلاف قبل هذا.

كم من "مجنون" يستمتع بكرسي الموت هذا ويروج له دون أن يضع في حسبانه الأرواح البريئة التي لم تقترف ذنباً، غير أنها وضعت صوتها في ذاك الصندوق المشؤوم، فاختارت حتفها وصدرته قدرا محتوما لمن حولها.

لست بمحلل سياسي ولن اقترب حتى من ذلك معاذ الله، وليس لي علاقه بهذا أبدًا، وأنصح كل متابع أو مهتم بها أن يقف هنا، فلن يخرج بشيء وعليه أن يبحث في مكان آخر بعيدا عن هذه الكلمات. لكن رؤية هذه الأعمال والتخريب والقصف أضر بي نفسيًا كغيري من البشر الذين لا علاقة لهم بذلك غير إنسانيتهم، فأنا مع الإنسان أياً كان وأينما يكون، مشاعر مختلطة مليئة بالحزن والأسى على هذه الدول وكل هذا الإرث الثقافي بأن يرهن ذاته وشعبه لنزوة رجل يُقرر حربًا في القرن الواحد والعشرين، دون أن يقول سبباً مقنعاً يقدمه للمجتمع الدولي.

على المستوى الأخلاقي كيف لمثل هؤلاء "البشر" تبرير هذه الأعمال العدائية لمن يتساوى معهم في العرق والدم والدين والطبيعة والجغرافيا وجزء كبير من التاريخ، أكاد أجزم بأن التهور والاستخفاف بعواقب تشريد وتجويع البشر والتبجح بأن مغادرتهم منازلهم ضرورة وقتية ليس أكثر وسيعودون أكثر سعادة واطمئناناً.

جنوح النفس وتعثرها والإنصات "لرهاب الشمس" لن يقيم لك تلك الهالة ويجعل من ضباع العالم أسودًا.

والضربة الاستباقية ليست من الأخلاق حينما تفقدك المنطق وتتأرجح بين العدالة والظلم.

أعيب على علماء النفس وسابري أغوارها الصمت على أمثال من يظنون بأنَّ السيادة بكل معناها لعبة بيد رجل يدخن السيجار ويحتسي فنجان قهوته، مرتديًا معطفه الدافئ من فرو "الدب" الروسي، وبكل غرور يقول الأمة تؤيد وترقب النصر وعلينا أن نحافظ على هدؤنا فنحن نعمل من أجلكم ومن أجل مستقبل أمتنا.

يقول علماء النفس ليس بالضرورة أن تظهر عليك أعراض المرض أو يشعر به العامة أو المقربون منك، المختص المؤهل الوحيد الذي يقرر ذلك، كم كنت أتمنى أن يوضع أمثال هؤلاء في مجال الكشف النفسي الدقيق والدقيق جداً، بعيدًا عن مناصبه السابقة، هو بكل بساطة يقرر الآن انتزاع أرواح أبرياء من أجل ماذا؟

هناك في أقصى الشرق من يصوره لنا الإعلام قنبلة موقوتة، ويأتي لنا بما يدور في رأسه وبأنَّه الجنون بعينه، ولم نرَ شيئاً من ذلك إلى الآن، وكأننا نجول بعيداً ونغض الطرف عن هذا المتهور الأحمق، الذي يتردد علينا صباح مساء.

أليس من حق من اختارك "ديمقراطيا" المطالبة بالكشف على قواك العقلية والنفسية طبيا؟

اللعبة تقول الأقوياء هم من يضعون القانون، في غير موضعه، ثم يتسامرون ويتآمرون فتتساقط "الأوراق" لتدفئتهم من زمهرير البرد.

ختاما: يؤكد علماء الحيوان أن الحيوانات المفترسة تصطاد حينما تجوع فقط!

ومضة:

لماذا نجعل من هذا العالم مقبرة جماعية لأفكارنا المتمردة على إنسانيتنا، الغوغائية ليست بحاجة لمن يبرر لها.

يقول الأحمد:

هذا قدرك يا صديقي، لم تكن تعلم أن بقاءك أكثر قسوة من رحيلك.