يد "الرقابة" الحديدية.. ورقبة الفساد

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

بداية الغيث قطرة، وبداية الألف ميل خطوة، وبداية "الحرب" على الفساد طلقة، وهذا ما فعله جهاز الرقابة المالية والإدارية في تقريره السنوي 2020؛ حيث لم يربت على كتف الخلل، ولم يشح بوجهه عن مكامن الفساد والهدر العام، ولم يمر على المؤسسات والشركات الحكومية مرور الكرام، بل قام بوضع الحقائق التي غابت عن النَّاس لفترة طويلة، وفضح ما كان يدور في دهاليز بعض أجهزة الحكومة، ونشر على الملأ نتيجة تقريره خلال عام، ولكنه كان عاما مليئا بالجهد، والعمل المضني، ولعل في جعبة "الجهاز" أشياء وأشياء ستخرج إلى العلن عاجلًا أم آجلًا.

ولعل أجهزة الرقابة المالية والإدارية بدأت في وضع عناصر الشفافية والمكاشفة موضع التطبيق، وأخرجتها من رفوف الشعارات التي طالما تعنّى بها البعض دون أن يخرجوها إلى دائرة الواقع العملي، وهذا ما قد يعطي انطباعا عامًا بأن الحرب على الفساد، وفضح تجاوزات المسؤولين قد بدأت تؤتي ثمارها، وأن الجميع سواسية أمام العدالة، والمحاسبة. ورغم أن الناس كانوا يأملون خطوات أوسع، وكانوا يتوقون لفضح المتجاوزين بنشر أسمائهم على الأقل، ليكونوا عبرة لمن لديه قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، إلا أن ذلك قد يحتاج إلى قرار قضائي، يكون محل التنفيذ بمجرد اكتشاف "المجرم" وثبوت التهمة عليه، فلعل ذلك يكون رادعا نفسيا لمن تسوّل له نفسه التلاعب بمقدرات الوطن، ومكتسبات المواطن.

إن استرداد ملايين الريالات لخزينة الدولة، ومحاسبة الشركات الحكومية الفاشلة يعيد بارقة الأمل للمواطن الذي شعر بأنه وحده في الخندق يحارب الفساد دون سلاح، وأنه هو وحده من يدفع فاتورة سياسات الحكومة الاقتصادية، ويحمل فوق رأسه خطايا بعض المتنفذين الذين عاثوا في الأرض فسادا وبطرا دون أن يحاسبهم أحد، ودون رقيب يقطع أيديهم.

ورغم تلك الأرقام المالية، إلا أن ذلك لا يعني أن الأمر ينتهي عند حد هذه الريالات التي تم الإعلان عنها، فهناك ملايين أخرى- بل مليارات- تحصّل عليها بعض المسؤولين وهم على رؤوس أعمالهم، ليس بجهدهم، ولا باجتهادهم، ولكن بحكم مناصبهم، ونفوذهم، فتوغّلوا وتغوّلوا في جسد الدولة، واستطاعوا أن يكوّنوا ثروات طائلة من دم ولحم هذا الوطن وأبنائه، ولعل الوقت قد حان لمزيد من الحسم والحزم ومحاسبة ومعاقبة كل من أثرى دون سبب ودون وجه حق على حساب الوطن الذي أعطاهم وما بخل، فطمعوا فيه ولم يخشوا لومة لائم، ولا عين رقيب، وأولئك الذين حازوا الآف الأفدنة من الأراضي دون أن تطاردهم يد العدالة، وأولئك المسؤولين الذين أسّسوا شركات من تحت الطاولة بأسماء أقاربهم بينما هي في الواقع مملوكة لهم، تذهب إليها مشاريع المؤسسة ومناقصاتها، وأولئك الذين رست عليهم عطاءات ومزادات بالملايين عبر المحسوبية، وليس عبر الكفاءة والعروض، وآخرون كافأتهم الحكومة بأموال وأملاك ولكنهم لم يكتفوا بهبات الدولة المجانية بل امتدت أيديهم إلى ما وراء ذلك فنهبوا وسلبوا باسم الوطن، والوطنية.

إن ساعة المحاسبة قد بدأت، ولن تتوقف عن الدوران، ولعلها بارقة أمل طال انتظارها، تنبؤنا بأن القادم لن يكون مُهادِنا، ولا متسترا على المفسدين، وأن الردع قادم لا محالة، والوطن يسير في اتجاهه الصحيح رغم كل الصعوبات، والتحديات التي تعصف به، ولكنه ثابت وواضح، ورغم أنَّ الطريق طويل وصعب ومحفوف بالمخاطر والتضحيات، ولكنه آتٍ لا محالة بإذن الله.