حيدر بن عبدالرضا اللواتي
يُصدر جهاز الرقابة المالية والإدارية سنويًا تقريره المعتاد دون أن يعرف الجمهور تفاصيل ما ورد فيه من القضايا ذات الصلة بالاختلاسات والفساد الإداري والمالي وغيرها من القضايا التي ترتبط بسلوك الموظفين العاملين في الجهاز الحكومي وفي مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني.
وها هنا اليوم نقرأ عن قضايا الفساد التي استمرت لعدة سنوات في الأجهزة الحكومية، والتي تمكّن الجهاز من متابعتها ورصدها وتوثيقها وتحويلها إلى الادعاء العام ومن ثم أصدرت المحاكم العقوبات على المخالفين؛ بسبب الفساد الذي مارسوه من أجل الحصول على الأموال غير الشرعية. ومما لا شك فيه أنَّ هناك الكثير مما يجب إماطة اللثام عنه في مختلف المؤسسات خلال المرحلة المقبلة؛ حيث إن الفساد مُورس من قبل مختلف الفئات والدرجات الإدارية التي عملت في مؤسسات الدولة خلال العقود الماضية. وليس من العيب متابعة هذه القضايا إذا كنّا نُريد تصفية المجتمع من براثن الفساد والمحسوبية والغش والاستيلاء على مال الحرام وغيرها من الأساليب التي تدخل في إطار غسل الأموال أيضًا.
لقد بدأت الخطة الخمسية العاشرة منذ عام مضى، بينما الخطة الخمسية السابقة شهدت عدة حالات فساد كشف عنه جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بحيث تم تحصيل واسترداد نحو 580 مليون ريال عُماني (حوالي 1.5 مليار دولار أمريكي) من خلال التعامل مع 207 قضايا التي تم التنسيق بها مع الجهات المعنية وعن رأسها الادعاء العام التي صدر بحق بعض المخالفين أحكاماً قضائية، بينما هناك قضايا أخرى قيد التحري والإجراءات. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا لم يتم الكشف عن تلك القضايا خلال السنوات الماضية؟ في الوقت الذي كنا نتحدث دائمًا عن ضرورة تعزيز الشفافية والإفصاح بما يخدم الاقتصاد العماني والعملية التنموية بشكل عام؟
خلال الفترة من 2011 إلى 2020 تابع الجهاز العديد من الشكاوى والبلاغات التي تمثلت في تجاوزات إدارية ومالية عديدة بجانب التأخير في إنجاز المُعاملات الرسمية واستغلال السلطة واللعب في المناقصات الحكومية، إضافة إلى تظلمات الموظفين الذين ربما أبعدهم البعض عن مسؤولياتهم؛ ليتفردوا بالاستمرار في عمليات الفساد واستغلال السلطة. وشملت الرقابة متابعة أعمال الهيئات والمؤسسات الحكومية وشركات الخدمات العامة وما تقوم بها من عقود ومناقصات في عمليات التشغيل والصيانة، ومتابعة استثمارات الشركات التجارية والصناعية والقابضة والأنشطة الاستثمارية بصناديق التقاعد، والمنشآت السياحية والفندقية وشركات أخرى كالطيران العُماني والحوض الجاف، والشركات النفطية والغاز، إضافة إلى فحص إجراءات تعيين الاستشاريين وانتداب موظفين غير عُمانيين.
وقد تعامل جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة مع 519 جهة رئيسية وفرعية خلال الفترة من 2011 وحتى 2020؛ ليضع أمامنا هذا التقرير الذي يهدف في نهاية المقام إلى الكشف عن عمليات الفساد وكيفية منعها خلال المرحلة المقبلة، بجانب تفعيل الدور الرقابي للوحدات الحكومية لمنع مثل هذه الممارسات الضارة.
الواقع يُظهر أن البعض تفنن في ممارسة الفساد من خلال إساءة استعمال السلطة والوظيفة التي أوكلت المهمة إليهم وبطرق مختلفة، شملت قضايا التعويضات للبعض دون حق، الأمر الذي أدى إلى تبديد المال العام وعدم الحفاظ على ممتلكات وأصول المؤسسات الحكومية. وشمل التقرير قضايا أخرى تتعلق بالرشاوى مع بعض مؤسسات القطاع الخاص والحكومة لإخفاء الإيرادات الحقيقية بغية التهرب الضريبي، وعدم حصول المؤسسات الحكومية على المبالغ المستحقة للحكومة، وإسناد بعض المشاريع دون طرحها في المناقصات العامة للحصول على أفضل الأسعار، وأخرى تتعلق بإصدار أوامر تغييرية لبعض منها، وتلاعب بعض المقاولين في تلك المشاريع لتحميل الحكومة أعباء مالية إضافية، أضافة إلى قيام بعض الجهات الحكومية بالاحتفاظ بإيرادات مالية دون توريدها لوزارة المالية، وتلاعب بعض الشركات الحكومية في دفع المستحقات عليها لخزينة الدولة، ناهيك عن الخسائر التي تتكبدها الشركات الحكومية دون مبررات، وبالتالي تأثير ذلك على المحصلة المالية السنوية.
وتتضمن تلك القضايا، استمرار انخفاض قيمة بعض الاستثمارات الدولية لصناديق التقاعد بسبب عدم وجود دراسات الجدوى الاقتصادية الصحيحة؛ الأمر الذي يؤدي إلى تبديد الاموال العامة للدولة، إضافة إلى التعاملات بين بعض الجهات الحكومية والمقاولين وعدم تطبيق غرامات مالية على تلك الشركات.
إن عملية الإفصاح والشفافية في هذه القضايا تعني تعزيز أساليب النزاهة والأمانة لدى العاملين في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني خلال المرحلة المقبلة. ففي الفترة السابقة لم يكن البعض يهتم بهذه القضايا عندما تتعلق بأموال المؤسسات الحكومية، وكان يوافق على المناقصات التي تأتي إلى المسؤول الحكومي بسبب علاقته مع شركات ومؤسسات معينة للحصول على حصته من الأموال غير الشرعية لاحقًا؛ بحيث أصبح البعض متخمًا من الأموال والقصور والأصول! في الوقت الذي كان من الممكن توجيه تلك الأموال لتأسيس مشروعات تنموية تتيح فرص العمل للباحثين عن لقمة عيش، وتعود بالمنافع المادية والمعنوية على الوطن والمواطن.