الغزو

 

وليد بن سيف الزيدي

مُعظمنا يُدرك معنى الغزو العسكري، بغض النظر عن أنواعه وأسبابه ودوافعه وآلياته والآثار الناجمة عنه على الممتلكات والأرواح، لكن الغزو المقصود هنا في هذا المقال ليس العسكري، وإنما ذلك الغزو الذي يعدُ الأكثر ضررًا من الغزو العسكري؛ لما يترتب عليه من آثار فكرية وقيميَّة تُبعدُ صاحبها عن هويته الإسلامية والعربية الأصيلة مما يجعله أسيرًا لتلك الأفكار والقيم الدخيلة.

نعم.. إنه غزو الأفكار والعادات والقيم الدخيلة على مجتمعاتنا الأصيلة والتي كان لها أثر كبير في التوغل إلى مجتمعاتنا في الفترة الماضية والحالية والتي حصلت وتحصل بشكل متكرر وسريع، حتى أصبحت تلك الأفكار والعادات والقيم لدى البعض مقبولة وغير مستنكرة. بل وعلى العكس من ذلك أصبح البعض منِّا ينظرُ إلى الفرد الذي ما زال متمسكًا بأفكاره وقيمه الأصيلة المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بنظرة الفرد المتخلف في الفكر والقيم.

لن أتطرق إلى ذكر أمثلة على ذلك النوع من الغزو في الأفكار والقيم والعادات داخل مجتمعاتنا عند الرجال والنساء والكبار والصغار؛ وذلك لكوننا نشاهدها ونسمعها خلال حياتنا اليومية في البيت والمسجد والمدرسة والجامعة والعمل والسوق والمواقع الإلكترونية والقنوات الإعلامية، وحيث يظهر ذلك النوع من الغزو في حواراتنا وخلافاتنا ومجالسنا وملبسنا. فهل سلِمَ أحد من ذلك الغزو؟ وهل مازال مستمراً في التوغل في مجتمعاتنا؟ وإلى متى سيستمر؟ وما هي أسبابه ومعيناته؟ وكيف يمكن التصدي له؟

نعم.. إنَّ العديد منِّا لم يسلم من غزو تلك الأفكار والقيم والعادات الدخيلة التي أصبحت لا تخفى على أحد منِّا والتي لا تتناسب معنا كمجتمعات إسلامية وعربية أصيلة. وهي مستمرة في التوغل داخل مجتمعاتنا وفي بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا وأسواقنا وبين أسرنا، وستبقى تتوغل وتتزايد كمًا ونوعًا يومًا بعد يوم؛ وذلك بسبب الاستمرار في الجهل بتعاليم الدين الإسلامي والبعد عنها والتهاون في الأخذ بها والعمل على غرسها والاقتداء بها. مما كان له أثر في غياب الرقابة الذاتية القائمة على الغرس الطيب من الأفكار والقيم والعادات الحميدة والأصيلة المُستمدة من ديننا الإسلامي.

إنَّ من مُعينات الغزو الفكري، الإعلام المفتوح ومواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها والمتزايدة في أعدادها والتي تمارس دورًا خطيرًا في هذا النوع من الغزو؛ وذلك من خلال نقل العديد من تلك الأفكار والقيم والعادات الدخيلة بين شرق العالم وغربه وبين شماله وجنوبه وفي ثوان معدودة من حيث سرعة انتقالها ولساعات طويلة من حيث بقاء الأفراد والمكوث أمام تلك المواقع الإلكترونية مما يساعد على انغماس الكثير من أفراد المجتمع مع تلك الأفكار والقيم والعادات ومن ثم تقبلها لتصبح بعد ذلك جزءًا من حياتهم وخلال فترات قصيرة من الزمن.

إنَّ الغزو الفكري والقِيَمي شرس والتصدي له لا يكون إلا من خلال معرفة أسبابه ومن ثمَّ معالجتها بالرجوع إلى الكتاب والسنة والعلم والعمل بهما حتى يمكن التحصن بها ومواجهة ذلك النوع من الغزو. ومن ثم تفعيل الأدوار الحقيقية للأسر والمؤسسات المجتمعية الأخرى وتكاتفها، كالمساجد والمدارس والجامعات والأندية في الغرس الطيب والأصيل للأفكار والقيم والعادات في نفوس أفرادها.

والله الموفق.

تعليق عبر الفيس بوك