للناس فيما يعشقون طبائع!

 

عبدالله الفارسي

أرسلَ لي صديق عزيز مجموعة مقالات دسمة صاخبة قاسية عن قضية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وعشرات التغريدات من هشتاق عُمانيون ضد التطبيع، ثم أعقبها بسؤال وجودي فلسفي عميق: ما رأيك في قضية التطبيع الإماراتي مع إسرائيل؟

أعتقد أنني سبق أن كتبتُ وأوضحتُ في أكثر من مقال أنني لا أكتب في السياسة، طبعًا كل المقالات التي أرسلها لي صديقي لم أقرأ منها سوى عناوينها الصاخبة الغاضبة على دولة الإمارات، والإمارات دولة لها سيادتها ولها سياساتها ولها أسلوبها ومنهجها في التَّعامل مع قضاياها الخاصة، ولا أظن أنني مؤهل عقليًا وفكريًا أن أقول رأيي في شأن داخلي لدولة ما. فأنا مشغول الفكر والبال بقضايا أخرى، أهم بكثير من قضية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.

من وجهة نظري، فلسطين دولة قوية فيها قوم "جبارين" أقوياء قادرون على انتزاع حقوقهم بأيديهم وأرجلهم، لا تنقصهم القوة البدنية ولا الإمكانيات العقلية وليسوا بحاجة إلى طاقات معنوية، هم يملكون كل المؤهلات النفسية والبدنية لتحقيق أهدافهم ونصر قضيتهم، وليسوا بحاجة إلى مُساندة الوطن العربي التعيس والذي لا يملك قرارته بيده، فكل دولة عربية فيها من المصائب والبلاوي أكثر من مصائب فلسطين؛ بل إنني أعتقد أنَّ دولة فلسطين ستحل مشاكلها  كلها وستبقى كل الدولة العربية تترنح في مصائبها حتى قيام الساعة.

لقد كتبتُ لصديقي أنني لا أكترث بقضية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي؛ لأنني لدي مصائبي الخاصة، ولديَّ قضية عالقة في المحكمة منذ شهرين ولم تنتهِ بعد، ولدي 4 فواتير كهرباء ومياه  لم أسددها، ووصلني الإنذار النهائي من شركة الكهرباء بقطع الخدمة وإغراقي في الحر والظلام. وعندي ابني الصغير الذي غضب مني منذ شهرين لأنني وعدته بدراجة هوائية جديدة ولم أتمكن من شرائها له بسبب ارتفاع سعرها غير المعقول. وعندي ابني البكر صرفت عليه أكثر من 10 آلاف ريال ليدرس في أفضل جامعة في ماليزيا، ولم يحصل على العمل الذي يتمناه ويحلم به ويتوق إليه، وعندي أربعة من أبنائي خريجي جامعات باحثون عن عمل منذ ثلاث سنوات، وعندي قرض بنكي سيظل جاثمًا على صدري حتى نهاية العام 2027. وهناك ديون متفرقة يطالبني بها بعض الأحبة ودائمًا يتواصلون معي بخصوصها فأقول لهم "إلى حين ميسرة"! وعندي بعض المشاكل مع جيراني أحاول تلطيفها وتذويبها، وسيارتي مُنتهية رخصتها منذ شهرين وأفراد دوريات الشرطة الطيبون دائمًا يتساهلون معي ويقولون لي: "أخ عبدالله.. حاول أن تُجددها بسرعة"! وهناك مجموعة مشاكل عالقة مع بعض أصدقائي، وهناك 5 مخالفات مرورية من نصيبي؛ أظن إحداها كسر الإشارة الحمراء كما أخبرني ابني!

قضايا وملفات ساخنة تملأ رأسي وتحرق صدري آناء الليل وأطراف النهار، فليس في عقلي ولا في صدري أي مُتسع لإضافة ملف "التطبيع" الإماراتي الإسرائيلي لأزجه في ذهني وأعبئ به رأسي!

يكفيني التطبيع مع همومي اليومية وعشقي لمصائبي الشهرية، وللناس فيما يعشقون "طبائع"!