قارئة الفنجان!

 

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

 

(1)

مشاهدُ ساخرة من حياة عربيٍّ مَجهول

تسلَّل لصٌّ إلى حديقة منزلٍ، فانطلقتْ صفارات الإنذار، واستيقظَ أهلُ الدار تتبَّعوا اللصَّ، لكنه هرب.. حملقَ الجميع بها برِيبةٍ. وقطع الصمتَ صوتُ أحدهم:

- لِمَ هَربَ اللصُّ سريعًا؟ ألم يكُن يعلم بأنَّ بالبيت خمسة رجال وامرأة؟ أم كان يظنُّ أن هناك امرأة فقط؟.

- هل كُنتُ على علمٍ مُسبق باللصِّ؟

صرختْ باستنكارٍ: بالطبع لا.

- إنه أمر مريب، لِمَ يقتحم اللصُّ المنزل من هذه الجهة التي تطل عليها شرفة غرفتك؟

حَمْلق بهم، ثم قالت: هل أنت مُتأكد من أن اللصَّ رجلٌ أم امرأة؟

تفرَّق الجميع وعادوا إلى غُرَفِهم، حدَّقت في ظهورهم، اكتشفت يومها أنَّني امرأة.

(2)

قفاز أسود

- أحتاج إلى قفاز أسود ليحميني من الشمس.

-أيُّ خامة تُريدين: دانتيل أم قطن؟ هل تُريدينه طويلًا يُغطي الساعد، أم قصيرًا إلى الرسغ؟

- أريده أسود فقط، لا يهم ما خامته.. فالأمر سِيَّان.

- بالطبع لا، ليس سيان: دانتيل على الموضة، أم الطويل يناسب المواسم الدينية، فماذا تُفضِّلين؟

- إذن، لا بأس، أريد النوعيْن، أواكب آخر طرازات الموضة الحديثة وأيضًا الدينية، فأضربُ عِصفورين بحجر واحد!!

لمستْ خامات القفاز الأسود؛ يبدو أننا في عالم يتحجَّب به الدين بقفاز أسود ليواكب الموضة.

(3)

ملف وردي

تسعى جاهدة؛ وتعمل بمُثابرة، تجهز خطة العمل مُسبقا، تنسقها وترتبها في ملف وردي، ليأخذه المسؤول جاهزًا ويحضر به الاجتماع.

- هل تعتقدين أنها ستترقَّى قريبا؟

- لا أعلم، ولا أتمنى ذلك؛ أن تعلُ قبلنا ستكون مصيبة.

- إذا ما الحل في رأيك؟ هل نتَّحد لنشر شائعاتٍ لتخريب أي متوقَّع؟!

- نعم، اتفق معك في الفكرة، لنحطِّم غرورَ مُثابرتها ونمزِّق الملف الوردي.

- ولكن، لِمَ نحارب فتاةً من بنات جلدتنا، أليس من الأفضل أن تصعد واحدةٌ لتفتح المجال للبقية بالصعود؟!!!

- لأنَّنا نفكر بمنطق القِرَدة، حطِّم من تسول له نفسَه بالنجاح.

- إذن قد كُنا قِردة في يوم نحمل ملفًا ورديًّا.

(4)

قهوة

- أريدها مضبوطة.

- وهل تحبين الاعتدال في كل شيء.

- لا أعلم؛ ولكن أريدك فقط أن تقرئي لِيَ الفنجان، الفضول ينخرني، والأسئلة بلا إجابات تقتلني. هل سيتركني؟ هل يحب امرأة غيري؟ هل يُحبني؟

- توقفي، أنت تُكثيرين الأسئلة لجلسة فنجان واحدة؛ ولكن هل لي بسؤال إذا تَسمحين؟

- نعم، نعم، تفضلي اسألي!!

- هل تحبين نفسَك؟

أطبقَ الصمتُ إلى أن اختنقَ من السُّكون؛ رفعت السيدةُ الجميلة حقيبتها، وسحبت مرآةً مستديرةً مزخرفةً فتحتها وحملقتْ بوجهها المنعكِس بالمرآة، ثم قالت:

- حقًّا.. لا أعلم: هل أحب نفسي أم أحبه لأحب نفسي؟ هل لي بفنجان قهوة آخر لكي أعرف من أُحِب؟

(5)

- ابني لديه خطيبة أمريكية، سيتزوجها وسيحمل الجنسية الأمريكية قريبًا.

- حقًّا، هنيئا لكم؛ إذن فأحفادك مُستقبلا لديهم جينات رائعة، بشرة ناصعة وأعين زجاجية زرقاء، ولكن أليس من الأفضل أن يقترن ببنات بلده.

- لا، لا، الأمريكية أفضل: ذكية، وستقدم له الأفضل، وإذا رُزِقت بأطفال سيكونون مثل الدُّمى بارعي الجمال.

- حياتُهم متحررة، أتعلمين ذلك؟!

- لا يهم، الأهم أنها أمريكية؛ سأذهب إلى المطار غدًا لاستقبالهم، يجب أن أريها الحفاوة والكرم العربي الأصيل.

امتدَّتْ يد سمراء تُصافح كفَّها، وقفت باندهاش، بشرتها سمراء، عيناها بُنِّيتان داكنتان، شعرها أجعد؛ كيف لها أن تكون أمريكية دون بشرة بيضاء؟!!!