صحار تحتضن "أمجاد عُمان"

 

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

 

لم يكن يهتم بعدد السنوات التي تمضي وهو يُسافر بين ربوع عُمان باحثًا عن الكنوز الأثرية العُمانية التي لا يقدر ثمنها بكل أموال الدنيا، جهود مضنية وعمل دؤوب وهمة لا تعرف التعب ولا الكلل والممل، لم يكن في حسبانه كم هي الأموال التي سيدفعها مقابل قطعة أثرية يقتنيها ويضمها إلى أخواتها القابعات والمنتظرات لإشراقة يوم جديد، وهذا اليوم الجديد يشرق في أحضان مدينة التاريخ والحضارة والمجد مدينة صحار لتكون الحاضنة لمتحف أمجاد عُمان الذي أفتتح الأسبوع الماضي.

لقد قطع حمود العمراني المشرف على هذا المتحف على نفسه وعدًا بأن تكون له بصمة مشرقة في جبين عُمان حبًا وشغفًا لهذه الحبيبة الغالية، فعمل ليلًا ونهارًا لتحقيق حلمه ولم تثنه المسافات البعيدة ولا السفرات المتكررة ولا الأموال التي يدفعها لاقتناء قطعة أثرية عليها بصمة ذلك الجد الشامخ والجدة السامقة كنخيل عُمان، واجه الصعاب والتحديات، لكنه كان أقوى منها فهو يحمل الحب والإرادة الصادقة والمخلصة ومن يحمل الحب والإرادة الصادقة لا يثنيه أي تحدٍ ولا تعيقه الحفر، ظل صامدًا ويعمل بصمت الأذكياء مدركًا حقيقة واحدة يؤمن بها مثله بأنَّ المقتنيات الأثرية ليس لها قيمة مادية فهي تاريخ وحضارة ومجد لأيِّ بلد، أما الإنسان الذي يُفرط في مُقدرات وطنه التراثية والتاريخية ليتكسب منها ريالات معدودة ويبتاعها لتخرج خارج حدود الوطن العزيز، فيجب مُعاقبته.

استطاع حمود العمراني افتتاح متحفه (متحف أمجاد عُمان) في مركز صحار الترفيهي وفي موقع خصص أصلا للحفاظ على التراث العُماني، وتمكن بفضل الله أن يحافظ على 15 ألف قطعة أثرية عُمانية من الضياع والاندثار والإهمال والسرقة والبيع في سوق النخاسة، عمر بعضها الآلاف السنين وبعضها مئات السنين وبعضها استخدمها الآباء قبل النهضة المباركة ولا يعرفها الجيل الحاضر، لقد صنع خيرًا وعمل عملًا غفلت عنه جهات معنية بالمحافظة على التراث العُماني، فماذا يضير المؤسسات المعنية بالمحافظة على التراث العُماني بكل محافظة من محافظات السلطنة من إنشاء متحف لأهم الأدوات التراثية التي استخدمت في كل محافظة خلال الحقب التاريخية الماضية وحصر المقتنيات الأثرية الموجودة في كل محافظة والحفاظ عليها من الاندثار؟ وما يضيرها لو أنشأت متاحف متخصصة تشرح فيها الاكتشافات الأثرية التي تم اكتشافها وإبرازها للجمهور بدلا من غيابها واندثارها بعد سنوات؟

إننا نسمع عن اكتشافات عديدة ويُعلن عنها في الصحف وبعدها لا يسمع عنها أي أحد، لماذا لا توثق في متحف ليعرف عنها الصغير والكبير والعُماني والسائح؟ لماذا لا تكون هذه الاكتشافات مزارات سياحية تدر دخلا للبلد؟

التعاون بين العمراني والمؤسسات المعنية بالتراث، أمر طيب، لكن نلوم عليهم عدم المبادرة من البداية، وغياب المبادرة هو الذي يؤخرنا، وهو الذي تسبب في الاعتداء على تراثنا وتاريخنا لأننا بذلك نسمح لغيرنا بالكشف والبحث وشراء هذه المقتنيات وعرضها، وإن كان الماضي ذهب فعلينا بالحاضر وعلى مؤسساتنا المعنية بالتراث أن تزيد من أدوارها في المحافظة على مجد عُمان الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، وجعل هذه التاريخ والتراث مصدرًا من مصادر الدخل للبلاد؛ فدولة مثل جمهورية مصر العربية استطاعت توظيف التراث والتاريخ كمنتج سياحي فكان مصدرًا ماليًا ضخمًا لهم، ونحن في عُمان نملك الكثير، فإذا كانت عندهم الأهرامات فعندنا خمسمائة قلعة وحصن وعندنا الأفلاج العجيبة في عملها والتي تعمل منذ آلاف السنين وعندنا الكهوف الكبيرة التي لو سُوِّق لها التسويق المناسب لجذبت السياح من كل أنحاء العالم وعندنا الكثير والكثير الذي يجعل منِّا دولة سياحية تراثية.

شكرًا للأخ حمود العمراني على جهوده المقدرة والمشكورة والتي نفخر بها، وندعوه لبذل المزيد من الجهد وعدم التوقف عند ما أنجزه بل عليه أن يبهرنا دائمًا بالجديد والحديث والمفيد، وعُمان المجد والحضارة والتاريخ تستحق بذل المزيد من الجهد. وهنا أوجه رسالة خاصة للجميع لزيارة المتحف ومن يملك مُقتنيات أثرية تاريخية يمكن أن يُضيفها للمتحف فهي هدية منه لعُمان، وإن شاء الله يكبر هذا المتحف ونرى فيه ما يسر الخاطر ويبهج النفس..

ودمتم ودامت عُمان بخير.