فيل في أذن نملة!

 

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

 

(1)

هل يمكن أن تُدمنَ الانتظار؟ الانتظارُ هو شتاءٌ دائم بلا صَيْف دافئ.

يُقال إنَّ آفة الحياة: الرَّتابة، ومَريضُها: الشَّغف.. فهل مات مريضُك، أم ما زلتَ تضخُّ فيه زخم الرَّغبات؟ هل جرَّبت أن تعيش تجربةً جديدة كل يوم، بدلًا من إعادة رتابة اليوم ذاته يوميًّا؟

هل استمتعتَ بتجربةِ القِطار لأول مرة، ثمَّ اندهشتَ من رتابتها بعد التعوُّد عليها، وأدركتَ كم هي مُرعِبة فكرة تحويل حياتك إلى محطة انتظار؛ سريعة وبذات الوتيرة.. تقطع تذكرة، تنتظر، ثم تنتظر.. وصلَ القطار وفُتح البابُ، تدافعَ الركاب، تقفُ أنتَ وتبحثُ عن مقعدٍ، ثم تُكمل الانتظار. أدمنتَ الانتظارَ في محطاتِ الانتظار؛ لأنه سليم صحيح، ومفهوم ومتعارف عليه.

تُرى.. ما هو الأسوأ من إدمان الانتظار؟ التَّشبث بوعود الغد الجميل، والرغبة بأنَّ شيئًا ما سيتغيَّر؟!

(2)

فيلٌ اختبأ في أُذن نملة

هل لك أن تتخيل أن يختبئ فيلٌ بكل ضخامته في أذن نملةٍ ضئيلة؟ كيف لك أن تُخرجه؟

- يتم تهميشي عَمداً، لا يكترث لأمري أحد.

- لو أتيحت لي الفرصة سيرون عجبًا.

تَمتم بالكثير وفاض بالقليل، وتأسَّى وتسنَّى ولم يواسِه إنس أو جان، تضخَّمتْ قوقعةُ أذنِي من تَرهُّلات الفيل!

ما هو الأسوأ بأية حال؟ وهل أنت فيل أم نملة؟

(3)

مُعجزات صغيرة

"فادية" طبيبةٌ مصرية، تُعالج مرضها وهي صمَّاء، تشخِّصُ الداء دون أن تسمع أنين الشَّكوى؛ قد كانتْ "فادية" فتاةً طبيعيةً، أصابتها حُمى شكوية أفقدتها حاسةَ السَّمع.

لم يثبِّط كل ذلك من عزيمة "فادية"، التي أكملتْ تعليمها النظامي معتمدة على لغة الشفاه والإشارة، أكملتْ تعليمها الجامعي، وأصبحت طبيبةً تُعالج من لا يُمكنها سماع شكاوه.

ولم يكن حال "فادية" أسوأ من حال "كريستي بروان" الرَّسام والكاتب الأيرلندي الشهير؛ هو رجلٌ يُمارس موهبته بأصابع قدمِه اليُسرى، سُردت تفاصيل حياة كريستي بروان في فيلم "قدمي اليُسرى"؛ رغم كل هذه الظروف القاهرة التي أحاطتْ بكل من "فادية" و"كريستي"، إلا أنَّهما حقَّقا إنجازات باهرة، عجز عنها أولئك الذين وُلدوا بخلقة تامة.

ما الفرق بين أن تعيش خمسين عاماً أو خمسة أعوام، أنت تقدِّر وتُوائم ظروفك وتتعايش معها، فلك الاختيار.. عِش مائة عام وأنت مُعافى بدنيًّا ومعاق ذهنيًّا، أو العكس.

الغدُ آتٍ لا محالة، فهل ستغدو أسيرَ محطةِ الانتظار؟ أم ستتحول إلى نملة تُخبِئُ فيلاً في قوقعة أذنها؟

(4)

علبة تُونة

استحضار الأفكار يُشبه استحضارَ الأرواح.. مدهشٌ ومرعبٌ ومغامر، قد تتعلق بالأفكار، تستمتع بالبحث عن ماهيتها، قد تُسيطر أو تستحوذ عليك؛ وتُذكي شغفك المنسي المُدمن لمحطة الانتظار؛ قد يُدفن المدمن في علبه تونة تُركن في أعلى الرف دون أن تُدْرَك!!! فهل أنت مُستعد للتخلي عن شغفك بسهولة؟ هل لديك الشجاعة أن تخرج من علبة التونة، وأن تعطي ظهرك لكل الضجيج والضوضاء، وأن تتبع شغفك دون ركنِه في محطات الانتظار البائسة؟

(5)

قد أكُون سمكة

الكلامُ سهل جدًّا والكلُّ يقدر عليه، ولكنَّ الفعل أصعب.

مِنَ السَّهل أن تقول "لو أعطوني كذا، سأفعل كذا"، و"لو كنا معي مركز أو مَنْصِب فلان، سأغيِّر كذا"، و"لو عندي شهادة، سأحقق كذا"؛ ما أبسط أن تكون سمكةً تفتحُ فمهَا كثيرًا، ويتمُّ اصطيادها سريعًا. لكن، هل هُناك وقتٌ مُحدَّد للبدء في البحث عن شغفٍ تستمعُ به وتتحمَّس له؟

الشَّغف لا يحتاج إلى شهادة أو قول، قد يحتاج إلى تطوير وعمل، واستمتاعٍ دونَ انتظارِ الغد الأجمل؛ هو فقط يحتاج إلى بدايات؛ لأنَّ الفشل وارد، ولا يعني ذلك التخلي التام.

(6)

بداية القدرات

خُوسيه ساراماغوا.. أديبٌ برتغاليٌّ احترفَ الكتابة وهو في سن الخمسين، وحصل على جائزة نوبل؛ انتظر أربعينَ عامًا ثم أشعل شغفه في الخمسين؟

اعرَف عدوَّك الحقيقي: هل هو الخوف أم التردُّد؟ أم الوهنَّ؟ أم عوائق أخرى؟ أن تقيِّد نفسك وتحفظ ذاتك في "علبة تونة" هو اختيارك؛ ولكن تذكَّر أن هناك مدة صلاحية لكل علبة، فلا تُفسِد أحلامك المحفوظة؛ وتتحول إلى فيل يَختبئ في أذن نملة!