خريف الأوراق

 

عائض الأحمد

منذ ولادتك إلى وفاتك تسمى دورة حياة، ولكن ماذا إن غيرت جلدك وانتقلت إلى دورة أخرى لا علاقة لك بها ولست من روادها وإنما حبًا في البقاء ونشر ما تبقى لك من مشاعر فاسدة لم تجد لها مكاناً في تلك الأوراق البيضاء فنقلتها معك إلى مصحتك الحالية بنفس أوراقك البالية، وأسلوبك "الرخيص" لمن أراد الشراء من أرصفة "وأزقة" مدينتك الخربة، على ساكنيها ظلال الجهل والعوز عارية طافئة المشاعل تتسول نقطة ضوء في آخر النفق، مللنا وجهك المتجهم وسلوكك المنحدر نحو الأدنى، لا أعلم لماذا كل هذا التواجد المخجل المشين لمن بلغ عتيا، دون أن يرجف له طرف أو يسيل له ماء يغسل برد وجهه.

إعلامي مخضرم في ماذا؟ صحف حائطية توزع مجاناً على قائدي مركبات آخر الليل وليس فيهم من يقرأ حرفا واحدا، يقول أحدهم تذكرت صورته إنه هو الحمدلله، أحمده أكثر بأنك لم تقرأ وكفاك بأس صورته، لو علمت قوله وسخف سيرته لودعته وداع الدهر، وسحقت باقيه على ألف ميل قادم، ثم نثرته في يوم عاصف في صحراء الربع الخالي، ثم جمعت سارقي الشرفاء علهم يجدون بعض أشلائه،  ولن يبلغوا مبلغ حرف سام سال من فمه ولسانه الذي يقطر تعصباً وحقدا على كل من يختلف برأي معه.

الرشيد من كفى شره وتحصن بعيدًا عنه، يتعاطى الكذب، مع كل لقمة عيش، ويعطش زورا مع كل فعل لم يشاهده وإنما سمع به سماعا من أحد المارة، فأقسم لك بحضوره، "دلخ" بعقل فارغ يستفرغ ما بأحشائه ويسقيه النشء وكأنه حارس للذوق مدافع عن الحب، يدعوك لاحترامه وينقلب عليك إن قلت له بالمثل، حافي القدمين طويل اللسان في عراء المعرفة والفكر، يسوق بضاعته البالية الرخيصة، ويعتلي منابر الدرجة المتدنية ويجد من يصفق له.

يعلو صراخه ويهيج وتنتفخ أوداجه حاملا الكير يحرق أطرافه ويمزق أوصاله، هؤلاء ليس حريًا بنا أن نتحدَّث عنهم فقد طواهم الزمن وتبدل ونفض الزمان كراهية أوراقهم فلماذا عادوا لنا؟ في منابر ليست لهم غاب عنهم المدقق والمصحح فخرجوا أضحوكة العصر، وسهره المساء هدير وجعجعة وإعلان "حرب" من مسقط رأسه الأبيض ونسي أن الرياضة أخلاق وفروسية لا شأن لأمثاله بها.

من شاهد سقوط أسنانه ورجفة فكيه أثناء حديثه استغفر له ودعا" رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي انعمت عليَّ وعلى والدي وأن أعمل عمل صالحا ترضاه".

فيما مضى كان يحدث نفسه فلا حرج عليه ولكن من مكنه من هذا الآن فعليه أن يردعه وماذا بعد أن أعلنها "داحس والغبراء".

من ظن أنَّه فارس ومن صدق أنه جنرال ليعلنها حربًا تأكله هو ومن سيق إلى مقبرة الأحياء. اشغل الناس ضجيجا وعويلا، هل حقا "أنت مخضرم وأستاذ"؟

مُتَغطْرِس يتطاول بحجة الأستاذية والخبرة في ماذا؟ يتكلف الأنا ويمزجها ويستدعيها عندما يضعف أمام كبرياء وأنفة أساتذة الذوق احتراما للمتلقي، وحفاظا على الذائقة العامة صعودا غير هبوط.

سقيم يسأل ما علاجي؟، فقلت: الصمت يشفي كل باغٍ!

ختامًا.. الكلمة رفيقك في كل الأوقات، فإن كانت حسنة فلك، وإن كانت غير ذلك فعليك، فأيهما لك وأيهما عليك، فاحرص على جمالها ومواطن استخدامها لتدوم معك.

******

ومضة:

في خدرها المصون تزينت

ثم ارتقت حتى تفتق جيدها

لم يعد يسمع صوتا لها

هوت وتساقط عقدها

******

يقول الأحمد:

تنام تحت جناحه وتنشد ما ليس لها.