وزارة العمل وطلبها لاتفاقيات الأعمال

 

ناجي بن جمعة البلوشي

من بين الإجراءات الإدارية التي تتخذها وزارة العمل في معاملات المُوافقة المبدئية على طلبات تراخيص العمل لغير العُمانيين طلبها في كل مرة تقديم عقود الأعمال القائمة أو الجديدة التي حصلت عليها الشركة باستثناء الشركات الصغيرة والمتوسطة فهي تمنح موافقة لعدد 5 عمال في أول طلب مع  دون أي تفريق في ذلك بين العامل لحسابه الخاص أو المتقاعد، ولأنه إجراء خاص بها فلا نتعارض معه بأي شكل من الأشكال.

لكننا نقول إنه ربما مثل هذا الإجراء يتعارض مع ما تسعى إليه السلطنة من خطط وتوجهات حكومية لدى الوزارات الأخرى من حيث الترويج للاستثمار الأجنبي أو تشجيع وتمكين أصحاب الأعمال العمانيين أو البقاء في السوق العماني لما في الأسواق المجاورة من فرص استثمارية وعوامل جذب أكثر إغراءً. أما من حيث المنطق، فإنَّ مثل هذا الإجراء يؤدي إلى صناعة التحايل وخرق النظام. وهناك مثال على هذا المنطق فكيف تواجدت اتفاقيات مقاولات البناء إذا لم يكن في الشركة موظفون يسجلون ويقيدون الشركة في جهات الاختصاص بوضع تفاصيل ممكنات الشركة كالهوية التجارية والملف التعريفي للشركة والهيكل التنظيمي والبطاقات التعريفية للأفراد والتراخيص والأنظمة المكتبية وغيرها وإذا كانت ليست بذلك الحجم الكبير، ولا تتطلب كل ما سبق، فمن هو القائم على جلب الأعمال من العملاء أو من قام بدراسة الخرائط وبحساب الكميات وتقديرها ودراسة المخاطر أو طرق التمويل ومن كتب الاتفاقية ودققها، وكيف وافق مالك العقار على منح الثقة لشركة وهمية وغير موجودة، إلا بمالكها ومكتبه ليس لديها سابق أعمال ولا لدى مالكها معرفة بالمقاولات، حتى العمال أنفسهم من القادر على اختيارهم ومقابلتهم أو تدريبهم ومراقبتهم، ثم إنه إذا منح موافقة الترخيص على العمال المقدرين بتقديرات موظف الوزارة فمن سيكون اختياره العمال أولا لتغطية وتنفيذ الاتفاقية المزعومة أو من يحقق في الخارطة أو من يشرف على النفقات والتدفقات المالية أو من يحسب الكميات ويشتريها ويديرها...إلخ.

وبعد هذا كله وبعد التوقيع على الاتفاقية كم من الوقت يحتاجه  لقدوم أولئك العمال وهل سيصبر المتفق معه أو هل ستبقى أسعار التوريد كما اتفق عليها بعد 6 أشهر تقريبًا، وهل موافقة البنك الممول ستبقى سارية؟ كل هذه الأسئلة يجب أن نجاوب عليها أولا ثم نتبع ذاك الإجراء. أما إذا كان الجواب أن يتكفل صاحب العمل بكل هذه المهام والأعمال، فإنَّ المنطق يقول إنه سيكون أقرب إلى طريقين، إما التجارة المستترة أو السجن. هذا ما سيكون في طلب الموافقة الجديد أما في حالة هروب العمال فهناك حديث أطول.

وفي بداية العام 2020، بدأت جائحة عالمية أثرت صحيًا واقتصاديًا على العالم بأسره مما أدى إلى استنفار كل الدول بكافة قطاعاتها لأجل التخفيف على أبنائها والمقيمين على أراضيها فقدمت كل أنواع التسهيلات ومن بين تلك التسهيلات كانت للقطاع الخاص والعاملين فيه وكانت السلطنة من الدول السباقة لهذا التوجه، قطاع السفر والنقل الجوي كان من بين تلك القطاعات المستنفرة في كل الدول ومنها السلطنة فعلى الرغم من توقف حركة التنقل والسفر بين الدول كانت هناك رحلات مُستثناة للسفر، لكنها لم تكن مفتوحة كلياً كما قبل الجائحة فكانت مجدولة ومحددة وبها من الشروط الكثير، وهي متباينة من دولة إلى أخرى مما تسبب بالتأثير الكبير على المغتربين وكان ينتابهم الأمل دائماً بهدوء العاصفة الكورونية، ومن ثم العودة إلى أوطانهم لقضاء الإجازة والاطمئنان على ذويهم، لكن هذا لم يحدث سريعًا وبقي على خطى ضعيفة جدًا، بسبب الظروف والاشتراطات المصاحبة للجائحة وبعضها يعود على  العمال أو على شركاتهم ومنها تخوف العمال من المرض وعدم المغامرة بالسفر، أو تكرار حالات الإغلاق المستمرة وصعوبة تنقلهم في أوطانهم.

كما إن كثيرًا من الشركات لم تمنحهم الإجازات الدورية المستحقة لعدم توفر مقاعد العودة للمُغادرين مسبقًا بسبب إغلاق المطارات من حين إلى آخر، وعدم وجود رحلات دائمة ومجدولة، وذلك للتعويض عن زملائهم لعدم توقف الأعمال. ومن الأسباب أيضًا طلب اتفاقيات الأعمال في وزارة العمل والذي لا يزال قائمًا ومفعلًا وصارمًا، فعند طلب الشركات لبدل المغادر أو طلب موافقة جديدة، تطلب وزارة العمل تلك الاتفاقيات رغم تحقيق الشركة لنسب التعمين المطلوبة من الموظفين العمانيين أو إن كانت من بين الشركات الصغيرة والمتوسطة. ولأن هذا- كما أسلفت- إجراء خاص بها، فإننا وضعنا وجهة نظرنا هنا لأختم بها مقالي هذا، فقد قدمت مسبقًا مقترحًا بمنح الشركات الحرية في إدارة أعمالها واختيار موظفيها والتوسع في أعمالها، فما نحتاج إليه الآن الاتفاق على هدف واحد وهو استيعاب العمانيين في القطاع الخاص، ولن يكون هذا إلا بتوسع الاقتصاد، ولن يتوسع الاقتصاد بمثل هكذا إجراءات عتيقة.