هوس التضخم

 

ناجي بن جمعة البلوشي

يطلق الاقتصاديون مصطلح التضخم الاقتصادي في الدولة إذا لامس اقتصادها إحدى المفاهيم المعتمدة لديهم إلا أن هذه المفاهيم تختلف في تعريفها بين الأكاديميين أنفسهم رغم اتفاقهم على وجود ظاهرة اقتصادية حدثت وأن شيئاً ما حدث للنقد أو المال (الفلوس) مقابل واحد أو كل الموجودات الأخرى من السلع والخدمات إثر أسباب معروفة، وفي هذا المقال يكفينا أن نستفرد بمصطلح التضخم الاقتصادي في مؤشر أسعار المستهلك وسنوضح كيف يكون عمل الحكومات في حالة التضخم ثم سنقترح بعض طرق معالجته من قبل الأفراد لتقليل التأثر به باستبدال بعض سلوكياتهم.

نبدأ أولاً بالاختلافات حيث يختلف التضخم في تعريفه بين مستورد ومحلي فالمستورد منه ما هو ناتج عن ارتفاع مفرط ولفترة زمنية في أسعار السلع أو الخدمات المستوردة من خارج الدولة أيا كان نوعها كمواد أولية خام أو بضائع مصنعة أو منتجات نهائية مقارنة على النقد المدفوع مقابلها في زمن سابق. أما التضخم المحلي فيعرف على أنه الارتفاع المفرط ولفترة زمنية في أسعار سلعة أو خدمة مصنعة أو منتجة محلياً مقارنة بالنقد المدفوع مقابلها في زمن سابق. وهناك علاقة عكسية بين مستوى المعيشة للأفراد وظاهرة التضخم فعند ارتفاع مستوى التضخم يقل مستوى المعيشة عند الفرد بارتفاع الأسعار أو ضعف سعر الصرف للعملة المحلية فيجد الفرد أن واحد أو كافة مستلزماته قد وصلت إلى مستوى لم يكن قد تعود عليه من قبل ليفكر بعدها في وجود مسببات كثيرة تسببت في ذلك منها بعض السياسات النقدية والمالية في بلاده أو قلة الأجور أو المردود المالي عليه ليضعه السبب الرئيس في ذلك، لكنه يقع في الخطأ والبعد عن الصواب فزيادة مستوى الأجور والرواتب يتسبب في ارتفاع مستوى التضخم.

كيف يكون ذلك؟ فمثلا إذا رفعت الحكومة رواتب موظفي القطاع العام فإنَّ القطاع الخاص ملزم برفع رواتب موظفيه وإذا ارتفعت رواتب موظفي القطاع الخاص ارتفعت معها كل المنتجات والخدمات تعويضًا لما دفعه في زيادة التكاليف وعندها يرتفع سعر كل شيء ليسمى بعدها بالتضخم، كذلك ولمعرفة وجود التضخم يمكن مقارنة سعر سلعة أو خدمة محددة في فترة زمنية ما بسعرها في فترة زمنية أخرى، ولا يطلق على ارتفاع الأسعار المفاجئ في سلعة أو خدمة بسب العرض والطلب ولمدة بسيطة تضخما، ويعتقد الاقتصاديون أن الأسباب المؤدية إلى التضخم هو الارتفاع المفرط في التكاليف كلها أو جزء منها كزيادة الرواتب أو زيادة أسعار المواد الخام أو زيادة أسعار الشحن والنقل أو ارتفاع سعر الفائدة البنكية على المنتجين أو وجود أرصدة مالية كبيرة في البنوك دون استثمارها في الاقتصاد أو لارتفاع قيمة أسعار الواردات من البلد المصدر لأسباب تعود على نفس الأسباب المذكورة سابقاً لكنها في ذاك البلد، وهناك ظروف أخرى مؤثرة بشكل مباشر على الاقتصاد خارجة عن نطاق السيطرة والتحكم كالحروب والجوائح والانقلابات ...إلخ،. للتضخم تأثيرات سلبية على الاقتصاد على وجه العموم لكنه في بعض الأحيان يستخدم كأداة فاعلة للحفاظ على مستويات ومؤشرات اقتصادية استراتيجية، تنصب تأثيرات التضخم على الجميع فهو يُؤثر على مستويات حياة الفرد وحاجيات الحكومات والشركات كما أنه سبب رئيس في توقف النمو الاقتصادي؛ بل وربما قد يكون عثرة في وجه التنمية في أي بلد.

سنعطي هنا أمثلة بسيطة على تضخم الأسعار لنقول إذا كان رصيدك البنكي مليون ريال وكان بإمكانك شراء أو بناء بناية به قبل سنة مضت فإنَّ نفس المليون ريال لن يمكنك من شراء أو بناء نفس البناية اليوم وذلك لأن قيمتها وسعر تكلفة بنائها ارتفعت، فتكلفتها تعني رواتب الأيدي العاملة وسعر مواد البناء وسعر الحديد وغيرها فما حدث من ارتفاع في رواتب العمال ومواد البناء والحديد أدى إلى رفع قيمة البناية الجديدة ليصل بدوره سعر بناء المتر فيها مساويًا في التقدير للبناية القديمة، أو إذا كان راتبك قبل سنة 500 ريال وكان بإمكانك شراء كل ما تحتاجه من سلع وخدمات وكماليات فإنه لن يكفيك اليوم لنفس السلع والخدمات والكماليات بسبب ارتفاع ما يستورد في بلادنا ولأن البلد المصدر ارتفعت معه أسعار المواد الخام وأسعار قيمة الشحن بسبب ارتفاع (النفط مثال)، إضافة إلى استحداث ضريبة القيمة المضافة والضريبة المنتقاة مع صدور بعض الإجراءات والتشريعات كشمولية توطين مهن سائقي النقل ورفع الدعم عن المواد البترولية وارتفاع سعر فاتورة الكهرباء على المخازن والمتاجر ..إلخ.

ويمكن أن يحدث التضخم من أثر سياسات وتوجهات تفرضها الدولة وحدها كالشطر الثاني من مثالنا السابق أو بسبب دولة أخرى عليها أو مجموعة من الدول (إغلاق الحدود، الحصار مثال)، وللتضخم مستوى ومقياس يستوضح عند مراقبة الأسعار في سلعة أو خدمة معينة وهناك تقارير شهرية تصدر أثر تلك المراقبة حيث إن الحكومات تراقب التضخم مراقبة دقيقية ويمكنها التحكم فيه ببعض الأحيان وأغلبها الأخرى ليس بمقدورها ذلك، فتجدها تتحكم في سعر فائدة الإقراض والودائع بوجود بنك مركزي لديه كل الصلاحيات المطلقة في ذلك لكنه في نفس الوقت سلاح ذو حدين خطيرين، فإذا رفع سعر الفائدة زادت الأموال المودعة في البنوك فتقل الاستثمارات وتقل التنمية تتبعها قلة فرص العمل ليزيد بعدها مستوى الباحثين عن عمل، إضافة إلى قلة المنافسة التجارية فيحدث التضخم، وإذا خفض سعر الفائدة فإن المودعين سيسحبون أموالهم إلى دول أخرى أو استثمارات أخرى فتعجز الدولة عن تلبية تحويل العملة الأجنبية لكل مستورداتها فتضطر إلى شراء العملة الأجنبية لتغطية العجز لتنهار عملتها مقابل تلك العملات ويبدأ التضخم من جديد يتبعه الكساد ثم التسريح من عمل وزيادة الباحثين عن عمل، لذا دائمًا عند ظهور أي أزمة اقتصادية يظهر صوت البنوك المركزية التي كانت في صمت دائم وفي الأصل كل اقتصاد هو مسؤول عن نفسه كيف ما يكون حجمه وتأثيرات التضخم فيه فالكبير كبير والصغير صغير، لكن ما يحدث من تأثير سياسة البنوك المركزية الضخمة على الدول الضعيفة له أثر أكبر من تأثير التضخم أو النمو لذا تسمع زئير الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عند كل أزمة ليُغير بدوره سياسات دول وأقاليم برمتها فعند استشعاره بالتضخم الاقتصادي في أمريكا يضخ تلك الأموال بأسعار فائدة رمزية وعند مستوى مُعين يرفع سعر الفائدة من جديد لتصل الأحوال إلى مستواها الحقيقي يتبعه في ذلك الإجراء كل تلك الأقاليم بنفس التصرف تقريبا.

ربما وظناً مني بأنَّ المواطن العادي لا يهمه كل تلك التفاصيل المسرودة لذا فإنه في حاجة إلى إرشاد أو نصيحة  فيما يفعله فقط عند وجود التضخم في بلاده فنقول له - عليك باستبدال سلوكيات مكان أخرى - إن أردت أن تبقى في نفس المستوى الذي أنت فيه من المعيشة، وتبدأ أولاً في تنظيم حاجياتك وتضعها بين الضروريات والكماليات فالضروريات هي تلك التي تكون ملزمة عليك في كل الأوقات كأقساط البنك أو دفع الإيجار أو فواتير الكهرباء والمياه والإنترنت والهاتف، أما الكماليات فهي ما لا تحتاجه في وقت التضخم كاستبدال ساعتك أو موبايلك أو غيرها مما يتشابه معها، ثم بعد ذلك عليك بوضع الكثير من الخيارات لمدفوعاتك ومشترياتك فمحاولتك تخفيض قيمة فاتورة الكهرباء والمياه باستعمالك طرق لا تضيق فيها على نفسك وأهل بيتك كوضع رقم تبريد مكيف الهواء عند 23-24 درجة دائمًا أو استبدال كل المصابيح بمصابيح "إل إي دي" التي تخفض نسبة 80% من استهلاك الكهرباء أو تحاول تنظيم استخدام الأطفال للألعاب الإلكترونية في تحديد وقت ومكان محدد أو الاجتماع بالأسرة في صالة المعيشة في أغلب الأحيان أما تخفيض فاتورة المياه فيبدأ بمراقبة التسريبات وتصليحها أولاً بأول والقيام على تدريب عاملة المنزل بالترشيد في استخدام المياه عند تنظيف البيت والملابس ..إلخ ومن السلوكيات التي تساعدك أيضًا على تخفيض الإنفاق الضروري هي المشتريات فهناك سلوكيات جديدة يمكن لك بها أن تقلل من الفاتورة الشهرية كاتخاذك قرار الشراء بأسلوب الخيارات المفتوحة دون الالتزام بمنتج أو ماركة أو بلد منشأ مع التزامك بشرط المناسب منه في السعر والمشابه له في الجودة والنوع، كذلك عليك أن تنسى ما كنت معتاداً عليه في طريقة الشراء والتي حددتها بوقت حصولك على الراتب فالآن استبدلها بطريقة الشراء في كل أسبوع، عليك الإصرار في التوجه للادخار بشيء من راتبك أو دخلك حتى ولو كان ريالا واحدا في كل شهر فالقصد من ذلك النجاح في الإدارة المالية.