عائشة السريحية
حين تتعمق في حجم الكون، ستجد أنَّه يعود للذرة، شيء لا تراه بعينك المُجردة، لكن التحام المليارات منها يجعلها تفرض وجودها وتشغل حيزا من الفراغ فتبدو جلية وظاهرة للعيان.
عزيزي القارئ وأنت تقرأ مقالي هذا أحتاج لتركيزك، فقط فكر في كل الأسطر فلربما ساهمت في تصفير بعض مشاكلك. إن الإنسان كتلة من مشاعر وأحاسيس، تضطرب أحياناً وتختل أحيانًا، تتراكم جزيئات إحداها دون أن تلقي لها بالا، فتتجنب حلها، ظناً منك أنها تافهة، لكنها تكبر وتنمو يومًا بعد يوم، إلى أن تأتيك لحظة الالتهام! نعم ستلتهمك المشكلة التي ظننتها ذرات صغيرة، لكنها فعلت ما تفعله جزيئات الكون، تتراكم ثم تترابط، وتتحور، وتتلاحم وبعدها يصغر حجمك أنت أمامها.
كيف تعالج الأمر إذن؟
إن المسألة تمامًا مثل التشخيص الطبي، الصحيح منه يؤدي لعلاج حقيقي وناجع، والخاطئ يتسبب في وفاة المريض؛ فالطبيب إن لم يمعن النظر جيدا ويقوم بدراسة الحالة الطبية بعناية، ولجأ لاستخدام المسكنات فقط، سيتفاجأ لاحقا بأن المريض قد مات! لذلك كن كالطبيب الماهر، لا تستخدم من الأدوية إلا النافع منها، ودع العمليات الجراحية كآخر الخيارات؛ لأنها غالبا ما تترك مضاعفات وندوب، ولكن إن لم تجد غيرها، وكانت هي السبيل الوحيد، فحضر مبضعك، وضع مشكلتك على الطاولة، ثم قم باستئصالها، وقبل أن تفعل، قم بمعرفة الداء أولا واستنفذ كل الحلول العلاجية الأخرى،وتأكد من جدواها، وعالجه علاج العارف والحكيم كي لا تعود مجددا.
ألم تسأل نفسك يوما ياعزيزي لماذا كان الطبيب يسمى حكيمًا؟ والأهم من هذا كله التحصين ضد المشكلات، ألم تسمع بمقولة: "درهم وقاية خير من قنطار علاج" اتخذ لنفسك الدرع الواقي الذي سيجنبك الكثير من المشكلات المستقبلية، سأعطيك بعض النصائح وإن لم تعجبك، فلا تلق لها بالا، وامض في حال سبيلك.
عليك يا عزيزي القارئ أن لا تتعامل مع مشاكلك بالطرق التالية:
أولا: الإنكار، لا تنكر وجود المشكلة؛ كي لا تجعلها تكبر أمام ناظريك، لأن المشكلة التي تعيش حالة من الإنكار ستثبت وجودها يوما، وستتفاقم وتتعاظم وحينها تندم حين لا ينفع معها الندم، وتعترف بوجودها ولكن ذلك سيكون متأخرا جدا.
ثانيا: التسويف، وهي معضلة حقيقية، فحين تقول عند ظهور مشكلة ما "سأحلها لاحقا" ستجد أنها قد سيطرت عليك وأضاعت منك البوصلة وجثمت عليك بثقل الماضي المتراكم.
ثالثا: التجاهل، إن تجاهل وجود مشكلة مع معرفة وجودها يؤزم الوضع، فأنت كمن يشكو من الحمى الشديدة ولكنك تمضي للعمل، فتقع مغمى عليك، ناهيك عن تعايشك معها بقلق مستمر، ما بين تظاهر بعدم الاهتمام وبين قلق خانق داخلي.
رابعا: التكبر والغرور، لا تتعامل مع مشكلة أمامك وتتعالى أن تحلها بسبب كبرياء زائف، أو غرور لا قيمة له فتفقد الكثير من الأشياء الغالية مقابل لا شيء، فجملة اعتذار قد تقيك تقلبات الأوضاع، وتحملك ثقل الخسارة، ولحظة اعتراف بالخطأ خير من إجبارك على الاعتراف به.
خامسا: لا تحاول أن تخلق مشكلة من العدم؛ لأنَّ بعض هذه المحاولات قد لا تحل بعد ذلك أبدا، وما تظنه لعبة لافتعال الآكشن، أو لأذى الغير، أو لجلب الأضواء، سينقلب عليك لأن من يلعب بالنار ستحرقه لا محالة، وسينقلب السحر على الساحر، فلا ضمانات لأن تصنع متفجرات ولا تنفجر بين يديك.
سادسا: إياك واستخدام القوة دائمًا في حل المشكلات، العنف لا يولد إلا عنفاً، وكما قال نيوتن: "لكل فعل ردة فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه".
وبعد أن وافقت عزيزي القارئ على هذه السداسية، أستطيع أن أهنئك فقد أصبحت حكيماً يضرب بك المثل، وسأدعوك للمرحلة التي تليها، وهي البدء في التصفير، ضع جدولا تكتب فيه كل مشاكلك ثم حدد لها زمنا، واجعل لها هدفا وابدأ في تصفير المشكلات، وخلق حلول طويلة الأمد، وأيا كانت المشكلة لابد وأن تجد لها حلا، وعليك أن تبني بفكرك مساحة للقياس، لاختيار القرار الأفضل والنتيجة الإيجابية الأعلى.
وإن كنت من الشخصيات المتعالية أو المغرورة، فستبذل جهدا أكبر في تلك المساحة، ستضع المشكلة التي يكمن حلها، ولكن عليك التنازل أو التضحية قليلا، لتحقق هدف التصفير.
ثم ضع كبرياءك الموهوم في كفة، وحجم الخسارة التي ستنتج من عدم التنازل عنه في الكفة الأخرى، وانظر للنتيجة، فإن كان ما تخسره أعظم وأكبر مما تكسبه، فضع ذاك الكبرياء في علبة وارسلها للفضاء الخارجي، فمن حولك سيسمونك بالغباء إن لم تفعل، فلا قيمة للغرور الزائف، حين تصبح نتيجة الاحتفاظ به سلبية عليك.
أما إن كنت يا عزيزي القارئ ممن يعشقون المشاكل ويدمنونها، فتختلقها دون أي مبرر، فهذا يعني أن التصفير لن يجد له طريقاً معك قط، إن لم تتخلى عن هذه العادة السيئة، عليك المحاولة في الحفاظ على الوسطية، أو اقسم جدولك وفق النظام السنوي مناصفة، نصف يمضي بلا مشاكل، والنصف الآخر مارس هوايتك، ومابين إشعال الفتيل وإطفائه، سأقول لك أنك في النصف الآخر ستهرم سريعًا، وتعتريك الأمراض، ولن تنعم بنوم أو طعام، وسينفذ مخزونك من التحمل فتقع دون أن يشفق عليك أحد، أعد رسم ملامح شخصيتك، وابتعد عن هذا الطريق المنهك.
وفي حال كنت ممن يهربون من المشاكل، فتوقف عن الهروب، فأنت ياعزيزي لست دجاجة! ولن تكون بذلك مسالمًا، وواجه مخاوفك، فالحل بالمواجهة، قف أمامها، وحلها بحكمة وعقل ومنطق، أما هروبك الدائم سيصنفك كضعيف شخصية وجبان، وستظل حياتك كلها تهرب دون الوصول لبر أمان.
وإن كنت ياعزيزي القارئ ممن يحشرون أنوفهم، وتظن أنك محامي دفاع عن مشاكل الآخرين ولا ناقة لك فيها ولا جمل، فأنت لوحدك مشكلة بذاتها، وأقل ما توصف به هو الطبل، تصدر ضوضاء وأنت فارغ، وعليك أن تعالج هذا الخلل الفني في أبسط صورة ممكنة، اترك الخلق وشأنهم، واهتم بمشاكلك وكفى، فلا يكاد مخلوق على وجه البسيطة أن يكون خاليا من المشاكل.
وفي نهاية مقالي هذا، يؤسفني أن أقول لك ياعزيزي القارئ، أنك لن تستطيع منع الأشياء الغبية من الحدوث، لكنك تستطيع تجاوزها، وهناك ذرات مشاكل تولد حولنا كل يوم، فإن أردت تحويلها لهواء تنفثه بعيدا فستفعل، وإن أردت أن تجعلها أكبر حجما، فستفعل أيضًا.