حيدر بن عبدالرضا اللواتي
في دراسة علمية للحصول على درجة ماجستير العلوم في الإدارة الهندسية من جامعة غرب إنجلترا- بريستول البريطانية، أجرى الباحث علي رضا أكبري (إيراني الجنسية) هذه الدارسة للبحث في تأثيرات وباء جائحة كورونا على قطاع المقاولات في السلطنة، ودول المنطقة خلال السنتين الماضيتين، مع المقارنة بعدة دول أخرى خارجها، ودراسة المشاكل التي نجمت عن هذا الوباء على المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية.
ويشير الباحث إلى أنَّ الجائحة أثرت على أعمال العديد من الدول وأدت إلى انخفاض نسبة الناتج المحلي الإجمالي، بجانب ما سببته من انتكاسات واضطرابات في المؤسسات وأنظمة العمل في تلك الدول. ونوّه الباحث إلى أنَّ قطاع البناء يعد أحد المكونات التي تأثرت بهذا الوباء الذي تزامن مع انخفاض أسعار النفط العالمية، الأمر الذي نتج عن ذلك مشاكل وانحدار في أعمال هذا القطاع وتراجع عمليات البناء بسبب الاضطرابات التي حصلت في سلسلة التوريد.
وتهدف هذه الدراسة إلى مراجعة وتقييم البيانات المختلفة من السلطنة ودول أخرى من أجل تحديد ما يجب على أصحاب الأعمال والمديرين القيام به للحدّ من هذا التراجع والأزمات.
ويلفت الباحث إلى أنَّ السلطنة وعلى مدى العقود القليلة الماضية، تمتعت بنمو اقتصادي سريع مرتبط بازدهار نتيجة اعتمادها على الإيرادات النفطية، فيما اعتبر قطاع البناء المستفيد الأول مع ازدهار صناعة النفط من خلال مشاريع البنية التحتية التي أقيمت في هذا القطاع، فيما تم التأكيد في عام 2019 على ضرورة تنويع الاقتصاد العماني، مع العمل على زيادة إنتاج الصناعات الإنشائية ورفع الناتج المحلي العماني للبلاد.
ومع انتشار الجائحة المفاجئ الواسع النطاق في عام 2020، شهدت الاقتصادات العالمية والاقتصاد المحلي تراجعات بشدة، وخاصة الصناعات الإنشائية، وتراجع التمويل العام نتيجة هبوط أسعار النفط، وانخفض الطلب على عمليات البناء بسبب الإغلاق والحجر الصحي. كما حصل نقص في المواد بسبب الاضطرابات في سلسلة التوريد، ونقص في العمالة الماهرة، فيما تم تحويل الإنفاق إلى قطاعات أكثر إلحاحاً، وبالتالي أضافت التكاليف المتزايدة العالمية لمواد البناء مزيدًا من الضغوط المالية إلى قطاع البناء، فيما منعت التكاليف المتزايدة غير المتوقعة للعديد من الشركات في البناء وعدم قدرتها على الوفاء بالعقود.
ومن خلال المصادر التي اعتمد عليها الباحث في هذا الشأن، فإنه يرى ضرورة إعادة هيكلة الأعمال للتخفيف من تأثير الوباء، فيما يجب على الشركات تخفيف الآثار الاقتصادية من خلال الاستعداد لما هو ممكن التفاوض عليه في العقود ونقص التكاليف والتعامل مع اضطرابات سلسلة التوريد، والعمل لمساعدة الشركات المتعثرة في تحديد الأمور المالية واتخاذ التدابير للتعامل مع كل منها.
ويرى الباحث أن هذه المشاكل يُمكن أن تُعطي فرصة لإعادة التفكير وتحسين الأعمال، مع قيامه بعمل عدة مقارنات في قطاع الصناعات الإنشائية في عدد من الدول الأخرى ومدى مُساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي. كما يناقش أيضا العديد من تأثيرات الجائحة على قطاع المقاولات في تلك الدول، والصناعات والعلاجات المقترحة للتخفيف من هذه الآثار. وقام الباحث بإجراء تصنيف للتأثيرات الناجمة عن تراجع قطاع المقاولات على القوى العاملة والمشاريع والمشتريات والعقود التعاقدية والتأمين، والمخاطر الناجمة على الصحة والعاملين، وإنجاز المشاريع والمخاطر التجارية وتراكم الأعمال. وأجرى الباحث مقارنة بين عقود البناء الممنوحة في بعض دول مجلس التعاون الخليجي قبل الجائحة (2018 -2019) وما بعدها، مشيرًا إلى أن صناعة البناء في المنطقة تضررت بشدة من انتشار الجائحة، مع انهيار بعض العقود.
وقال إن القيود المفروضة على الرحلات الجوية إلى عدة دول خليجية- ومنها السلطنة- أثر على حركة العمالة ونتج عنها تأثيرات على المشاريع في مرحلة التعبئة، وأصبح نقل العاملين من مواقع العمل وخارجها أكثر صعوبة، بجانب الاضطرابات التي حدثت في سلسة التوريد. وأضاف أن جميع مصادر البيانات أظهرت أن صناعات البناء في جميع أنحاء العالم قد عانت بشكل سيئ من تأثيرات الجائحة، واختلفت بدرجة وحجم هذه المعاناة من بلد إلى آخر حسب الحجم والطبيعة والدعم الحكومي والثقافة، والاقتصاد والنظام السياسي والنظام الاجتماعي وتوافر المواد الخام و الصناعة الداعمة، بحيث شهدت معظمها انكماشًا في بنائها، وبالتالي تسبب هذا الانكماش في انخفاض كبير في مساهمة الصناعات الإنشائية في الناتج المحلي الإجمالي سواء في السلطنة أو بقية دول المجلس، في الوقت الذي زاد فيه من تضخّم هذه الخسائر انخفاض أسعار النفط في بداية الجائحة. الباحث أوضح كذلك أن عدة دول بما فيها السلطنة عانت خلال الجائحة من التأخير في تطوير البنية التحتية بما في ذلك الطرق والمدارس والإسكان والمستشفيات والمراكز المجتمعية والمجمعات الترفيهية والسياحية. وأوضح أنَّ رؤية عمان وخطة التنمية تركزان بشكل كبير على تطوير صناعة البناء والتشييد والعمل على استعادة وتطوير هذه الصناعة في السنوات المُقبلة.
وخرج الباحث بعدة توصيات من هذه الدراسة تتركز على مساعدة مديري أعمال البناء في السلطنة من أجل سرعة التعافي لتصبح أكثر مناعة تجاه أزمات المستقبل، بسبب العديد من التأخيرات الكبيرة في تنفيذ المشاريع الإنشائية في الموارد البشرية، وتكبد خسائر مالية كبيرة نتيجة لتقلص أعمال المقاولات والغرامات وارتفاع تكلفة العمالة والمواد. كما تم فقد العمالة الماهرة التي عادت إلى دولها، في الوقت الذي فقدت فيه وظائف كبيرة نتيجة لانخفاض الطلب وتقلص الأعمال، وانخفاض معنويات الموظفين بسبب الشعور بعدم الأمان الوظيفي، وانخفاض كبير في أنشطة تطوير الموظفين بسبب الإغلاق/ الحجر الصحي، وحصول صعوبات في التخطيط بسبب ارتفاع مستوى عدم اليقين والمخاطر المرتبطة به. وختم بحثه بالقول إن على الدول ضرورة إعادة هيكلة العقود والتعاون بين الشركات في مجال البناء من الموردين والهيئات الحكومية، والعمل على مراجعة العقود لإتاحة المزيد من الوقت والمرونة في تنفيذ وتسليم مشاريع البناء، والحفاظ على السيولة، والتنويع في الأعمال التجارية الأكثر استقرارًا، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من المرونة لمواجهة الصدمات البيئية والسوقية. كما طالب بمراجعة نماذج العمل على المدى المتوسط لتصبح أكثر مرونة، ودراسة كيفية تحسين هيكل التكلفة من خلال استبدال التكاليف الثابتة بتكاليف متغيرة كلما أمكن ذلك، وكذلك اعتماد التميّز التشغيلي والتكيف مع الظروف الوبائية والاضطرابات المستقبلية، ودراسة العمل من المنزل وبدوام جزئي لتقليل التكلفة وزيادة المرونة، وتدريب الناس ليكونوا أكثر إبداعًا في أوقات محنة، والاستفادة من الإمكانات واختيار أفضل سيناريوهات أثناء مواجهة الكوارث الضخمة، مع ضرورة تأهيل القوى العاملة الماهرة للتعامل مع التقنيات الحديثة التي لها دور كبير في إيجاد حلول لصناعة البناء وغيرها.