خلفان الطوقي
أصبح من أهم الأهداف التي تسعى إليها الدول، كيفية الاحتفاظ برؤوس الأموال في مُحيط البلد، وضمان عدم هجرتها إلى خارج حدودها، كما إن الدول آمنت بأنَّ عليها أن تستقطب أموالا من خارج محيطها، مستهدفة توسعة اقتصادها، مؤمنة أن الأموال المحلية لا تكفي، وأن رضا مستثمريها المحليين سيجلب لهم مستثمرين إقليميين وعالميين من أفراد ومؤسسات.
تنجح بعض الدول في فهم توجه وعقلية المستثمر، وتخفق في فهم ذلك دولٌ أخرى، ولتضييق الفجوة بين الدولة والمستثمر عليها وضع أهم متطلبات المستثمر في الاعتبار، والذين يتشابهون في رغباتهم وأولوياتهم ومتطلباتهم، فبالإضافة إلى الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والنفسي تبقى لهم متطلبات، وهذه أهمها:
الكثافة البشرية: لا يتشجع المستثمر بأن يختار وجهة استثمارية ما لم تكن مليئة بالبشر، أو بيئة "دولة" تسمح بتوافد البشر إليها في قوانينها وتوجهاتها، فالتجارة الناجحة تكون في المواقع التي تتزاحم فيها الأقدام.
فتح البلد: استكمالاً للنقطة السابقة، ففي حال عدم فتح البلد لمزيد من توافد البشر إليها بشكل يتوافق مع زيادة الأنشطة التجارية، سيكون هناك عرض أكثر من الطلب الذي سوف يسبب تلقائيا إغراقاً في الأنشطة التجارية، وبدوره سوف يتسبب في خسارة وإغلاق مزيدٍ من الأنشطة التجارية، ولن يشجع مزيدا من الاستثمارات المحلية كانت أو الخارجية.
التوقيت المناسب للقرارات: ويظهر ذلك جليًا في أوقات الانكماش، ففي هذه الأوقات تكون هناك مطالبات وتعالي الأصوات من رجال وسيدات الأعمال وضرورة التدخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فورا، فإن لم تكن الاستجابة سريعة ولحظية، وإن أتت الاستجابة متأخرة، فإن أثرها لن يكون كبيراً، وفي أحيان كثيرة لا أثر لها إطلاقًا، والتدخل يكون كما يقال مجازًا "بعد خراب مالطا"!!
الحوار المستمر: ولتفادي عدم أثر القرارات التي تأتي متأخرًا، فمن الضروري إعطاء المستثمر الاحترام والتقدير الذي يستحقه، ويكون ذلك بإشباع رغبته في الحوار المُستمر الممنهج والاستماع إلى وجهات نظره، ويكون ذلك من خلال منصات توصله إلى متخذي القرارات بكل يسر، وعدم الاكتفاء بمنصة اعتبارية وحيدة، هنا يمكن للمستثمر أن التعامل معه يكون من خلال مبدأ الشراكة وليس السلطة، وعليه اتباع التعليمات دون حوار بناء يبتغى منه الفائدة للجميع دولة ومستثمرًا ومجتمعًا.
مواكبة المستجدات: المستثمر لم يعد تقليديًا؛ بل أصبح مستوعبًا لكل ما يدور حوله، ومراقبًا للسوق المحلي والأسواق الجاذبة من حوله، وأصبحت خياراته أكثر تنوعًا، وحركته أسهل، ولأن مفهوم النظر إليه تغير، فقد صار قيمة مضافة أينما حل، فالجميع أصبح يغريه ويحاول استقطابه، فإن وجد أن بلدًا معينًا لا يواكب المستجدات، ويجدد في قوانينه وتشريعاته ولوائحه، فلن يبقى فيها، وإن كان مرغمًا في البقاء فيها، فبكل تأكيد سوف يغير من نشاطه التجاري الميداني إلى أسهم وسندات أو ودائع بنكية محليًا أو عالميًا.
التحول الرقمي: يتمنى المستثمر المحلي أو الأجنبي أن تكون جميع أو مُعظم معاملاته إلكترونية بدون أي تدخل بشري بعيدًا عن المنغصات في صوره المختلفة والمزعجة، فقد أصبح المستثمر الجاد وخاصة المؤسسات الاستثمارية تعلم ترتيب الدول في المجال الرقمي، وأصبح ذلك عاملًا مساعدًا لاتخاذ قرارها الاستثماري الصحيح للاستثمار في هذه الدولة أو تلك.
الحوافز والتسهيلات: في كثيرٍ من الأحيان لا يتوقع المستثمر أن يحصل على دعم مادي مباشر من الدولة، لكنه يتوقع تسهيلات وحوافز تشجيعية بين فترة وأخرى وخاصة في فترة الأزمات، كتسهيل بعض الإجراءات الجمركية، أو تقليل نسب الضرائب، أو تمديد فترات السداد البنكي من خلال تداخل البنك المركزي، أو تقليل رسوم الخدمات الحكومية، وغيرها من الصور التي تعكس تفهم الحكومة للأزمة التي يمر به المستثمر.
التدخل الحكومي: التاجر أو المستثمر يرى أنه أكثر فهمًا لتجارته من غيره، وأن الإفراط في هذا التدخل قد يؤدي إلى إغلاقه لتجارته، أو هجرته إلى خارج الدولة، أو تغير نشاطه التجاري إلى شكل استثماري آخر يكون تدخل الحكومة محدود جدًا، والخيارات الاستثمارية العصرية أصبحت سهلة ومتنوعة.
ختامًا.. المستثمر العصري لم يعد كالسابق مقيدًا في محيط معين؛ بل أصبح قيمة مضافة أينما حل، ويمكن مجازًا أن نقول إنه أصبح الحلقة الأقوى في المعادلة، والدول هي من أصبحت تلاحقه وتقدم له الحوافز وعوامل الجذب ليأتي إليها، أو تحاول مع المستثمر المحلي كي يبقى فيها وأن يكون شريكًا حقيقيًا، فهو حاملٌ للمال والأفكار، خالق للفرص الوظيفية والتدريبية، داعم لميزانية الدولة في صورة رسوم مالية وضرائب ومبادرات مجتمعية متعددة، مساهم في حل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية بشكل أو آخرٍ، هذا هو المستثمر الآن.