إلى المحافظين مع التحية

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

Khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

كثيرًا ما نسمع عن مفهوم اللامركزية؛ وهي بكل بساطة تفويض سلطات وصلاحيات جهة أعلى لجهة أخرى تأتي بعدها في التقسيم الوظيفي، مثل تفويض رؤساء الوحدات لمن يمثّلهم في التقسيمات الجغرافية والإدارية، وهي تأتي في إطار تسهيل الإجراءات وتبسيطها، وتوزيع نطاق الصلاحيات من منطلق الرغبة في سرعة الإنجاز، وتحقيق الأهداف، وبلوغ الغايات بأقصر الطرق الممكنة، واللامركزية نظام إداري أثبت نجاحه، إذا توفرت فيمن منحوا هذه الصلاحيات القدرات اللازمة لاتخاذ القرارات، والعمل بحيوية أكبر، وتفاعل أكثر جدوى مع محيط العمل، وهم كذلك قاموا بتفعيل هذه اللامركزية مع من يليهم في التسلسل الوظيفي.

اليوم وفي ظل النهضة العمانية المتجددة، ومن خلال المتابعات المستمرة لعدد من الأوامر السامية والقرارات والتوجيهات، نجد أن مولانا السلطان المعظم يسير نحو اللامركزية للمحافظات بخطى ثابتة، منطلقا جلالته من مرتكزات رؤية "عمان 2040"، ومن رغبته وعزمه على تفعيل دور المحافظين، ومنحهم الصلاحيات اللازمة، وما قانون المحافظات الذي هو في الطريق نحو إصداره إلا دلالة ومرتكز لعمل المحافظات، وإسهامها الوطني المأمول، وإذ أحيّي بكل فخر واعتزاز هذا النهج الهيثمي السامي، فإني أرى المسؤولية كبيرة، والحمل الثقيل على المحافظين؛ إن هم ساروا على نهج المركزية التي لا خير في كثير منها، وأراها سهلة يسيرة- وهم أهل مقدرة على ذلك- إن أخذوا بعدد من الأمور؛ يمكن الإشارة إليها فيما يلي:

  • العمل بمبادئ اللامركزية.. خاصة فيما يتعلق بتفويض الصلاحيات، ذلك أن هذا المبدأ مهم جداً في الأخذ بكل الاعتبارات اللازمة، والتي من شأنها العمل على القضاء على البيروقراطية الإدارية العقيمة، وتبسيط إجراءات التعامل مع مختلف الشركاء، وهذا سوف يؤدي إلى النجاح في تطبيق حكومة إلكترونية فاعلة ومجيدة، وكذلك يعزّز الجهود على أرض الواقع في ظل الرقعة الجغرافية الممتدة للعديد من محافظات السلطنة، والتي تمثّل صعوبة إن ضيقنا نطاق الصلاحيات، وتمثّل ميزة ومكتسبا وطنيا إن كان التفويض ديدن العمل، ومرتكز التنفيذ.
  • حوكمة الأداء.. وهو أمر بالغ الأهمية لمعرفة ماذا نريد وإلى أين نمضي، وما ضرورات الإنجاز؟ وما التحديات وكيف يمكن التغلب عليها ومؤشرات الأداء والإنجاز وكيف يتم بلوغ الأفضل منها، ومن ثم دور الأفراد ومن يستطيع أن يكون جزءًا محوريًا من مسيرة العمل التنموي في المحافظات فيعزز ويكافأ، ومن لا زال عند منطلق سيره فيمنح الفرصة، ومن يمضي بالعمل رجوعاً خلفياً فيضرب على يده ويحوكم على أدائه، فالثواب والعقاب لوازم لا بد منها لبلوغ غايات يراد لها الاستمرار والديمومة.
  • إعداد الكوادر العمانية، وتنميتها في العديد من المجالات، ورفع كفاءاتها، وتطوير مهارات الأداء عند هذه الكوادر العمانية، وهذا أساس وضرورة، لأن النمو المتسارع في شتى المجالات، والتطوير المنشود للمحافظات، لن يتم دون كوادر عُمانية مدربة، ومعّدة بالشكل الذي يُحقق أهداف التنمية ويجعل كل محافظة في المكان الذي أراده مولانا السلطان المُعظم، وحددت رؤاه رؤيتنا الوطنية الرائدة.  
  • الارتقاء بأدوار المجالس البلدية.. إذ لم يعد دورها كما كانت، ولن يكون مستقبلها كما هي عليه الآن؛ بل أمام هذه المجالس دور عُماني تنموي مهني منهجي قائم على أسس اقتصادية وثوابت اجتماعية، دور يحتاج إلى قدرات ومهارات لدراسات الجدوى، وتحديد مشاريع التنمية المستدامة، والبنى التحتية اللازمة، ووضع الخطط، وتحديد الاستراتيجيات والبناء عليها، وهذا يتطلب أمرين؛ الأول: على عاتق المتقدمين لهذه المجالس، وهل يملكون ما يمكّنهم من مُواكبة دورها القادم، والثاني: على المجتمع عند اختياره لأعضاء هذه المجالس أن يضع أمامه كفاءة الشخص وقدرته، لا نسبه وقربه.
  • جمعيات المجتمع المدني.. وهؤلاء لديهم أدوار في تقديم العديد من الخدمات للمجتمع، ومن المناسب إشراكهم في العمل بالمحافظات، وتحديد الأولويات، وبناء خط العمل التي من شأنها تطوير المحافظات وتنميتها، مع الأخذ في الحسبان أن العمل للمحافظة، ومنه لعمان قاطبة، وليس لجمعية ولا فئوية.

ولا شك أن الأخذ برأي الشباب في شتى المجالات، والاستماع أقصد والإنصات إليهم، فهم يحتلون مكانة بارزة عند جلالة السلطان، وهم من هم حماسًا وحيوية، وهم من هم قراءة للمستقبل واستشرافاً لمتطلباته، وأن يكون الإنصات إليهم دائمًا مستمرًا في كل مرحلة تخطيط وتنفيذ، وتقييم وتقويم.

علاوة على أن البنية التحتية ضرورة في المرحلة الأولى، لفتح آفاق الاستثمار في شتى المجالات، وتعزيز القيمة المضافة لكل محافظة، ثم لكل ولاية، ثم لكل مكان، بعيدا عن النظرة التي تركّز على الكم توزيعاً، ولا تنظر للكيف نوعية وأهمية واستدامة.

وهنا يجب تعزيز الشركات المساهمة المحلية للعمل في مشاريع اقتصادية مستدامة منطلقة من إمكانات كل محافظة، ومعززة لتنوعها الجغرافي والبيئي، فبهذه الشركات يتفاعل المجتمع المحلي، ويتمكّن بنوه من الاستفادة والإفادة في مصادر المحافظة، مع الأخذ في الحسبان لا مجال للتقاعس والخمول والبطء في العمل والانجاز.

كما يتعين التسويق للمحافظات، وتنفيذ زيارات داخلية وخارجية ولقاء المستثمرين في الداخل والخارج مهم جدا وضروري خلال هذه المرحلة البنائية، لمعرفة ماذا يريدون؟ وكيف نحققه لهم؟ وماذا نريد؟ وكيف يصلون إليه؟ والتسويق أمر أساسي خاصة خارج السلطنة، وكثير من الدول نجحت في ذلك، خاصة تلك التي تعتمد على مصادر غير نفطية.

ومن بين الأمور التي نشير إليها: إدارة الأزمات والتعامل مع مختلف التحديات؛ كما إن تعيين فريق عمل مؤهل في كل محافظة، بات مطلبًا مهمًا، وديمومة عمله أمر لازم، وهنا لا أعني عند الحوادث الطبيعية، بل لعلاج أي طارئ لمسيرة التنمية في كل محافظة، وهذا فريق فني مختص، مكونه، مجموعة من الخبرات ذات العلاقة في إدارة الأزمات في مسيرة التنمية وتطوير أداء العمل.

ختامًا.. خالص الشكر والعرفان لمقام مولانا السامي، الذي توسّم في المحافظات ومحافظيها خيرًا، وهم على قدر المسؤولية بإذن الله تعالى.

وإلى المُحافظين مع التحية، أنتم رجال العمل التنموي القادم، والكرة الآن في مضربكم، بكم تريد البلاد تحقيق غايات عظيمة، ومكاسب جليلة، عندكم من الخبرة ما يكفي، ومن الصلاحيات ما يفتح أبواب الإبداع والابتكار على مصراعيّها، وبكل محافظة رجالٌ ونساء أهل فكر متقد، ورأي راجح، ورغبة صادقة، إلى المحافظين مع التحية، شدّوا العزائم، وأسعوا سعي الواثق، وأعملوا عمل الجاد المخلص.