حديث الشموخ (2)

الشرقية تنقل هموم الوطن

 

علي بن سالم كفيتان

تمنيتُ كما الكثيرون أن يُنقل اللقاء بين السلطان والمشايخ على هيئة مادة إعلامية مُترابطة بعد الإنتاج طبعًا، ويُبث على قنوات عُمان، لا أن يُجتزأ وتُنشر منه مقاطع عبر منصات التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار، ومن باب المهنية الإعلامية كذلك بث بعض الأسئلة التي طرحها المشايخ وأجاب عنها جلالة السُّلطان، وكنَّا نتطلع في الوقت ذاته لمؤتمر صحفي لمعالي الدكتور رئيس المكتب الخاص ووزير الداخلية مثلاً للحديث لوسائل الإعلام حول مرتكزات ما دار في كامل الحوار، فما تمَّ بثه من اللقاء لا شك كان مؤثراً وفاعلاً في أوساط الرأي العام، وشكَل مادة دسمة للإعلام الجديد التوَّاق لمعرفة توجهات الحكومة لما بعد خطة التوازن المالي التي تنتهي 2025، وهذا ما عبَّر عنه بكل شفافية وصدق مولانا جلالة السلطان -أيده الله- حيث قال بنص العبارة: "هذه فترة استثنائية وإذا تعافى الاقتصاد وزالت الجائحة مُعظم هذه التدابير سيتم إعادة النَّظر فيها"، وطمأن المجتمع بأنَّه لا توجد نية لديمومة هذه التدابير مما عمل على تهدئة بواعث القلق لدى المواطن.

ومن خلال ردود جلالة السُّلطان المعظم -حفظه الله- في لقائه بمشايخ الشرقية تبيَّن مدى فاعلية منظومة الشيوخ في عُمان؛ فمعظم هموم الوطن طرحت على السلطان ابتداءً من ملف الباحثين عن عمل وانتهاء بقيمة المأذونيات وتهيئة مناخ المال والأعمال وغيرها، وهذا يقودنا للتفكير بعُمق في أهمية تطوير منظومة الشيوخ في قانون المحافظات والشؤون البلدية المرتقب؛ بحيث يُصبح الشيخ جزءاً أصيلاً وفاعلاً لديه اختصاصات واضحة، وعليه واجبات يعلمها، وله حقوق تتناسب مع الأدوار التي يقوم بها؛ فالوضع التقليدي للشيخ لم يعد يتناغم مع ظروف المرحلة، ولا يجب النظر له كمتطوع، بل كجزء أصيل من مرتكزات الدولة، وهناك تجارب ناجحة لتطوير قيادات المُجتمع المحلي يُمكن الاستفادة منها في الوطن العربي والعالم؛ حيث لمس من تابع حديث جلالة السُّلطان -حفظه الله- مدى مُراهنته على دور المشايخ من خلال ربطهم بالمحافظين والمجالس البلدية كمنظومة مُتكاملة لتطوير المحافظات والدفع بالبلاد نحو مُستقبل ينعم فيه الإنسان بالأمن والاستقرار والرفاه.

بات جليًّا أن ريادة الأعمال والعمل الحر هي الوجهات الجديدة التي تدفع بها الحكومة، ومن هنا يمكننا القول بأن الوظيفة الرسمية أفل نجمها، وغاب بريقها، وخبت ميزاتها لصالح العمل الحر القائم على إمكانيات السوق، وهذا يقودنا لسؤال محوري: هل السوق مُستعد؟ وهل الممكنات حاضرة؟ فالعمل الحر يقوم على مبدأ حجم السوق ونوعية المستهلك من حيث الكم والكيف، ومن هنا يُمكننا القول إنَّ فرص نجاح الأعمال الحرة في ظل كثافة سكانية منخفضة وتراجع متوسط دخل الفرد واضمحلال الطبقة الوسطى وقلة السيولة المتوفرة في السوق، ستكون محدودة للغاية؛ لهذا وجب التفكير مليًّا بحجم القوة الشرائية المطلوبة لنجاح الأعمال الحرة وحجم التسهيلات التي على الحكومة تقديمها دون تعقيدات والأموال التي يجب ضخها في السوق في هيئة مشاريع إنمائية لكي يستلم القطاع الخاص زمام المبادرة كما يراد له في المرحلة المقبلة.

بيَّن جلالة السلطان المعظم -أيده الله- في حديثه الوفاء والفضل العظيم للسلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ولعلَّ في ذلك إجابة شافية لمن أصبح يُغرد خارج السرب بالإنكار والجحود لكل ما تحقق على أرض عُمان خلال خمسين عامًا من العمل الصادق بقيادة السلطان الراحل -رحمه الله- عبر كيل الاتهامات الجزافية لتلك الحقبة، منكرين الصراع المرير الذي بدأ من العدم، ومن ثمَّ ألم المرض وتراجع الوضع الاقتصادي وأبوية القائد ونكرانه لذاته طوال نصف قرن من أجل شعبه، فقد رحل قابوس واقفاً صلباً وترك وصيته لرجل وثق به وولاه الأمانة من بعده على كل المكتسبات الوطنية التي تحققت، ورغم التحديات التي واجهتها بلادنا خلال العامين الماضيين إلا أنَّ الخطوط باتت تتضح والنهج الثابت نحو المستقبل ظهرت بوادره بتحسن مؤشرات الأداء المالي هذا العام، والاستمرار في هيكلة القطاعات وتقييم أدائها وتبني اللامركزية ومنح المزيد من الاستقلالية للمحافظات وكلها نقاط قوة تقودنا للتفاؤل.

توقَّعتُ سماعَ حديث حول أهمية تمحيص قانون صندوق التقاعد المرتقب بحذر وعدم الذهاب نحو تحديد سنوات الخدمة برقم والاكتفاء ببلوغ السن القانونية للتقاعد؛ فقد بينت تجربة التقاعد الإجباري بعض الثغرات التي وجب علينا تجنبها في القانون الجديد، فأي تقليص لسنوات الخدمة يعني ضمنيًّا المزيد من الباحثين عن عمل وازدياد الضغوط المالية على الفرد وتقليص الطبقة الوسطى في المجتمع، ناهيك عن فقدان كوادر مجيدة أصبحت في قمة أدائها صُرِف عليها الكثير من التدريب والتأهيل... حفظ الله بلادي.