صون الحياة الفطرية العمانية

 

متعب بن خلف الغافري **

alghafrimksa@yahoo.com

 

نظمت جريدة الرؤية منتدى عمان البيئي في دورته الخامسة وطرح العديد من القضايا البيئية للنقاش، والذي أقيمت برامجه مؤخرا بالسلطنة وبمشاركة واسعة من المنظمات البيئية وأهل الاختصاص والمهتمين بالشأن البيئي، والذي حمل شعار "الأمان الحيوي لغلافنا الجوي"، وذلك من منطلق الاهتمام بمستقبل البيئة العمانية، باعتبارها واحدة من أولويات الرؤية المستقبلية "عمان 2040".

وتزخر عُماننا بتنوع فريد في الحياة الفطرية بفضل تنوع الأنظمة البيئية، من البيئات الجبلية إلى السهلية والبحرية والبيئات الصحراوية والتي تحتضن بين جنباتها أنواعاً مختلفة من الحياة الفطرية تكيفت بشكل يلائم تلك البيئة.

كذلك يلعب اختلاف المناخ دورا في هذا التنوع، فالكائنات الحية في المنطقة الجنوبية من السلطنة  والتي تتميز بمناخ شبه إستوائي في بعض أشهر السنة أكثر أعدادا وتنوعاً حيث تقدر مثلا نسبة التنوع النباتي في المنطقة الجنوبية بحوالي 60% مقارنة مع باقي المناطق الأخرى كما يوجد 77 نوعاً من النباتات المستوطنة في السلطنة فقط تم تحديد 13 نوعاً منها على أنها نباتات جديدة على الساحة العلمية بحسب الورقة التي نشرتها (Patzelt) حول النباتات في سلطنة عمان عام 2015، وكذلك بالنسبة للتنوع في الثدييات والكائنات الأخرى إذ تزخر المنطقة الجنوبية وبالأخص سلاسل جبال ظفار بأنواع من الثدييات لا تتواجد في أي مناطق أخرى من السلطنة حسب ما ورد في كتاب (Grobler) حول الثدييات العمانية عام 2002.

ورغم هذا التنوع الهائل فإنَّ الكثير من الحقائق حوله غير واضحة المعالم إلى حد الآن رغم الجهود التي تبذل في صون البيئة العمانية فهناك العديد من التساؤلات حول واقع ومستقبل الحياة الفطرية في السلطنة. فعلى سبيل المثال: ما واقع طائر الحبارى الذي كان من الطيور المستوطنة لجدة الحراسيس في المنطقة الوسطى أين هو الآن؟ وما الإجراءات المتخذة لحماية ما تبقى من أعداده؟ وما الخُطط المستقبلية للحفاظ عليه؟ وإذا كان قد انقرض من البراري العمانية، كما يلاحظ المختصون في مجال صون الطبيعة، فهل هناك خطط لإعادة توطينه وإكثاره؟

ومن الحيوانات الأخرى النادرة في المنطقة الوسطى والتي لم يسجل لها أي مشاهدات قريبة هو الوشق العربي الذي كان متواجدا بأعداد جيدة حيث وثق تواجده في الأبحاث العلمية للباحثين العاملين في محمية المها العربي وذلك ضمن مشروع إعادة توطين المها العربية إلى موطنها الأصلي في جدة الحراسيس بينما الواقع يقول إن الوشق العربي ربما يكون قد انقرض من المنطقة الوسطى وتبعه كذلك الضبع المخطط وربما الذئب العربي أيضًا، إذ لم ترصد المسوحات الأخيرة للباحثين في تلك المناطق باستخدام تقنية التصوير الثابت والمتحرك بالكاميرات الفخية أو حتى الدوريات الراجلة على أي أثر ممكن أن يستدل به على أن هذه الأنواع لا تزال موجودة .

لذلك على الجهات المعنية أن تقوم بجهد جمع البيانات الشاملة عن الحياة الفطرية بشكل عام في السلطنة وتوثيقها بالبحوث العلمية الميدانية الراصدة مستخدمة نهج الدمج بين الطرق الإيكولوجية وأبحاث الجينوم المتقدمة، والتي تعتبر من الطرق الرائدة والواسعة الانتشار في مجال صون الحياة الفطرية، فالأبحاث الجينية الحديثة تتمتع بدقة مُتناهية في تحديد الأنواع والفصل بين المتشابه منها وكذلك تحديد مدى الاختلاف بين الأنواع على مستوى الانتشار الجغرافي حسب ما أورده (Allendorf) في مقاله حول علم الوراثة والحفاظ على المجموعات الطبيعية، وسوف توفر هذه  الأبحاث إجابات على الكثير من الأسئلة الملحة منها: ما هو مقدار التنوع في الحياة الفطرية في السلطنة؟ ما هو التوزيع الجغرافي للحياة الفطرية؟ وما هي أكثر المناطق تنوعًا؟ ما هي الإجراءات الواجب اتخاذها من أجل الحفاظ على ما تبقى وكيف يتم إدارة المناطق الساخنة للحياة الفطرية والبرية؟

من المهم أن تكون هناك استراتيجية شاملة لصون الحياة الفطرية تتضافر فيها جهود مؤسسات التعليم العالي والجهات العاملة في صون الطبيعة، فالجامعات يجب أن تقوم بدورها في المجال البحثي الرصين لسد الثغرات النظرية وتصميم أطر نظرية قابلة للتطبيق على أرض الميدان مثل ابتكار المحاكيات الإيكولوجية وتطوير الاستشعار عن بعد ونظم المواقع الجغرافية والتي تساهم في استخدام التقنية الحديثة في استخلاص النتائج بدقة عالية وبتكلفة وجهد أقل، ومن خلال هذه الأبحاث سوف تستطيع الجهات المختصة والميدانية أن تقوم بعمل الخطط اللازمة لإدارة مواقع الانتشار والمحافظة على الحياة البرية الفريدة في السلطنة.

ولا غرو أنَّ الاهتمام بصون الحياة الفطرية بشكل عام وعلى المستوى العالمي يحظى باهتمام ضئيل مُقارنة مع المواضيع الأخرى ذات الأبعاد الاقتصادية والاستراتيجية كما أن الأبحاث المتعلقة بالحياة الفطرية والبرية دائمًا ما يكون لها الرصيد الأقل من الدعم، يأتي ذلك بسبب أن القيمة الحقيقة لصون الحياة الفطرية وما يمكن أن تقدمه من عوائد اقتصادية غير واضحة وغير مباشرة في نفس الوقت.

وإذا لم يكن من عوائد لصون الطبيعة بكل مكوناتها ومُفرداتها غير أنها مهمة لاستمرارية الحياة لكفى ذلك، حيث نجد الكثير من الجهات العالمية والمنظمات المدنية تدق نواقيس الخطر حيث بلغت معدلات انقراض الأنواع مستويات كبيرة قد يكون من الصعب إيقافها إذا لم تتخذ الدول قرارات قاسية وصعبة لوقف التدهور الحاصل في بيئة الأرض والذي ينعكس سلباً على حياة الإنسان.

 

** باحث في الوراثة التطورية والاستدامة البيئية

بجامعة إدنبرة نابيير والجمعية الملكية لعلم الحيوان في أسكتلندا

----------------

المصادر:

1.   Patzelt A. Synopsis of the Flora and Vegetation of Oman, with Special Emphasis on Patterns of Plant Endemism. Braunschw Wissenschaftliche Gesellschaft. 2015 Jan 1;282–317.

2.   Grobler M. A field guide to the larger mammals of Oman [Internet]. Muscat: Ministry of Regional Municipalities, Environment & Water Resources; 2002. 48+48. Available from: www.mrmewr.gov.om

3.   Allendorf FW. Genetics and the conservation of natural populations: allozymes to genomes. Mol Ecol [Internet]. 2017 Jan 13;26(2):420–30. Available from: https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/mec.13948

تعليق عبر الفيس بوك