اللامركزية والتنمية الشاملة

حاتم الطائي

◄ التوجيه السامي بتطبيق اللامركزية يعكس الحرص على التنمية الشاملة المستدامة

◄ مضاعفة المبالغ المالية المخصصة للمُحافظات تبشّر بتنمية واسعة يستفيد منها الجميع

◄ نتائج اقتصادية وتنموية تتحقق مع تطبيق نهج اللامركزية في تنفيذ المشروعات

عندما وضعت الرُّؤية المستقبلية "عُمان 2040" هدفها الرئيس المُتمثل في "الوصول بعُمان إلى مصاف الدول المُتقدمة"، انطلقتْ السياسات والقرارات الداعمة لتحقيق هذه الغاية النبيلة، وتوالت القوانين المساعدة على اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لإنجاز الأهداف المنشودة، وواحد من هذه الأهداف تطبيق اللامركزية، خاصة فيما يتعلق بقرارات التنمية الشاملة.

وخلال لقاء حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مع شيوخ ولايات محافظتي الداخلية والوسطى، أكد جلالته حرص الحكومة الرشيدة على تطبيق اللامركزية، بما يُساعد في تحقيق الأهداف التنموية خلال المرحلة المقبلة. ولا شك أنَّ التأكيد السامي على أهمية تطبيق اللامركزية يعكس إيمان جلالته القوي بدور كل مسؤول في الدولة في دفع مسار التنمية؛ إذ لا يجب أن ينتظر المُحافظ أو الوالي القرار الإداري من الوزير المختص أو من أيِّ جهة كانت، حتى يبدأ هو في تنفيذه، ولكن في المُقابل يُبادر المحافظ والمسؤول المحلي لوضع الخطط والأهداف التي يسعى لتحقيقها خلال فترة توليه المسؤولية. وإذا نظرنا إلى مسار تطبيق نهج اللامركزية، نجد أنَّ جلالة السلطان وحكومته الرشيدة، عكفت على تهيئة المناخ المناسب لهذا النهج من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات والقرارات؛ بل وسن التشريعات المساعدة لتنفيذ هذا التوجه، وتجلى ذلك في المرسوم السلطاني رقم 101/2021 بإصدار نظام المحافظات والشؤون البلدية، وكذلك تكليف المحافظين بتقديم خطط سنوية حول كيفية استغلال المخصصات المالية للمحافظات، والتي ضاعفها جلالته- أيَّده الله- بنسبة 100% من 10 ملايين ريال إلى 20 مليون ريال. وقد سبق ذلك كله توسيع صلاحيات المحافظين وتكليفهم بالتواصل مع المواطنين بصفة مُستمرة من خلال إيجاد قنوات التواصل الكفيلة بسماع مطالبهم وتلمس احتياجاتهم، ورفع تقارير دورية عن هذه المطالب والمرئيات. ونضيف إلى ذلك الأدوار المرتقبة من المجالس البلدية المُنتخبة، والتي بات على عاتقها مسؤوليات أكبر في ظل المخصصات المالية الجديدة؛ حيث سيكون على هذه المجالس- التي يرأسها المحافظون- أن تقترح المشروعات الخدمية والتنموية التي تحتاجها كل ولاية، ومن ثمَّ يكون القرار مُتوافقاً عليه شعبيًا من خلال الأعضاء المُنتخبين، ورسميًا من خلال مسؤولية المحافظ وصلاحياته الإدارية والتنفيذية.

ولذلك فإنَّ الحرص السامي من لدن عاهل البلاد المفدى على تطبيق نهج اللامركزية، يعكس الرؤية الحكيمة لجلالته لاتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتحقيق تطلعات المواطن وإشراكه في صناعة القرار، ومواكبة للتقدم الإداري الذي تشهده عُمان في إطار جهود إعادة الهيكلة التي تجري في كل مؤسسات الدولة. علاوة على أنَّ تطبيق اللامركزية يعكس الثقة السامية الكبيرة في المسؤولين المحليين، والإيمان بقدراتهم التخطيطية والتنفيذية؛ إذ لم يعد المحافظ والوالي يقوم بمهام إدارية بروتوكولية أو شرفية، ولا حتى إشرافية؛ بل بات مسؤولًا فاعلًا في صياغة الأهداف الوطنية والعمل على تنفيذها وفق رؤيته التي تعتمد على قربه المباشر من أبناء المحافظة والولايات والنيابات التابعة لها، وبذلك يكون القرار المحلي قائمًا على الرؤية الواقعية لاحتياجات المواطن.

وللامركزية منافع عدة، تتحقق مع تطبيقها على النحو السليم الذي ترسم مساراته التوجيهات السامية في هذا الإطار، ويأتي في مُقدمتها تسريع وتيرة التنمية في المحافظات، من خلال العمل على إنجاز شتى المشاريع التنموية والخدمية بأيادي أبناء المحافظة، فبدلاً من قيام الوزارة المركزية في مسقط بتنفيذ مشروع ما والاستعانة بمقاولين من العاصمة، يكون البديل محليًا، فتتم الاستعانة بالشركات المحلية بما يضمن سرعة التنفيذ وسهولة الإجراءات، فضلًا عن الفوائد الاقتصادية المتحققة من خلال تنشيط الاقتصاد المحلي في المحافظات والولايات وإيجاد فرص عمل لأبناء الولاية في مناطق سكنهم، وتحريك الأنشطة التجارية وإنعاشها. ومع تطبيق اللامركزية تقل دورة الإجراءات البيروقراطية؛ إذ لن يتطلب الأمر توقعيات وأختام لعدة مسؤولين وانتظار اجتماع في مسقط للبت في تنفيذ مشروع ما، ولن يظل المشروع التنموي حبيس الأدراج في الوزارات المركزية؛ بل ستتسارع وتيرة العمل وتنحسر البيروقراطية.

إنَّ الجهود الحثيثة التي يقودها جلالة السلطان- نصره الله- من أجل مواصلة مسيرة النهضة المتجددة تؤكد يومًا تلو الآخر، ما ينتظر هذا الوطن من مستقبل مشرق يتطور بسواعد أبنائه المخلصين، ويتقدم نحو المكانة التي يستحقها، ولذلك نؤكد على أهمية تضافر الجهود في هذا السياق وغيره من السياقات، فالعمل الفردي وغير المؤسسي لن يُجدي نفعًا، ولن يحقق المأمول، وسيبتعد بنا عن جادة الصواب والتنمية الحقيقية المنشودة، كما يتعين على جميع مكونات المجتمع، السعي المُتواصل من أجل دعم جهود الدولة لنمو وازدهار مختلف القطاعات، وهذا هو سبيلنا نحو مصاف الدول المتقدمة.

وختامًا.. إنَّ تحقيق اللامركزية يُلقي بالكرة في ملعب المسؤولين التنفيذين في المحافظات، بدءًا من المحافظين أنفسهم، مرورًا برؤساء البلديات ومديري العموم، وانتهاءً بالموظفين الإداريين في كل دائرة حكومية، وجميعهم نقول لهم إننا ننتظر منكم الكثير خلال المرحلة المقبلة، فكونوا على العهد وقدموا للمواطن كل ما يستحق من تنمية شاملة مستدامة.

الأكثر قراءة