التسريح.. شبحٌ يهدد شبابنا

 

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

 

خبرٌ محزنٌ انتشر مُؤخرًا مفاده قيام إحدى الشركات بتهديد موظفيها بتقليص رواتبهم رغم أنَّ عملها مستمر ولم يتوقف أبدًا؛ حيث البناء والتعمير مُتواصل وبوتيرة متسارعة، سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى الأفراد، وهذه الشركة من ضمن أعمالها توفير مستلزمات البناء إلى جانب أعمال أخرى كثيرة لم تتأثر بجائحة كورونا حسب ما هو ظاهر، لكن الجائحة تحولت- للأسف- إلى شماعة لمن يرغب في  تسريح الموظفين أو تخفيض رواتبهم.

نعلمُ يقينًا أن الحكومة الرشيدة جادة في توفير فرص عمل للباحثين وتسعى جاهدة في تحقيق هذه الرغبة الوطنية الخالصة، إلا أن عدداً من الشركات بدأ يستغل قرار الحد الأدنى للرواتب (عند 325 ريالًا) لصالحها من خلال تسريح قدامى الموظفين العمانيين ومن أصحاب الرواتب المرتفعة لاستبدالهم بموظفين جدد تكون رواتبهم في حدود 325 ريالًا؛ حيث توظف الشركة ثلاثة أو أربعة موظفين بنفس راتب الموظف المُسرَّح، وهذه لعمري قضية خطيرة وشبح مُخيف يهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي للأسر العمانية التي علينا جميعاً أن نحافظ على نسيجها ونسعى لتأمين حياة مستقرة لها؛ إذ إن المسرح من العمل سيكون عالة على الحكومة وعلى المجتمع وعلى أسرته بصورة خاصة، فهو قد رتب حياته على نمط مُعين ويمضي على ذلك النمط سواء كان مرتفعاً أو متوسطاً، وأي استقطاع من راتبه أو تخفيض أو تسريح يؤثر عليه تأثيرًا كبيرًا جدًا، كما إن هذا يؤثر على الحكومة وعلى عملها في تسريع عملية توظيف الشباب وفي تشكيل الصورة النمطية عن وضع الشركات الخاصة التي تعتمد وزارة العمل عليها في توظيف نسبة كبيرة من الشباب العماني.

ولمُعالجة هذه القضية المُقلقة، نطالب وزارة العمل بوضع قوانين صارمة بإيجاد حلول منطقية وواقعية لقضية المسرحين عن العمل، وإلا سوف نرى زيادة في عدد المسرحين، ومع هذه الزيادة ستتوقف وتتأخر قضية الباحثين عن عمل. ولا بُد من وقفة صادقة لمحاربة هذا الشبح الذي يطل برأسه بين الحين والآخر، ويعرض أبناء هذا الوطن لمشاكل عدة وقضايا ليس لها أول ولا آخر. إن موضوع الباحثين عن عمل صعب، لكن قضية المسرحين أصعب وأخطر، وتكمن خطورتها في تشتت الأسر وتكاثر القضايا في المحاكم بسبب الشيكات المرتجعة والديون البنكية المتراكمة والقروض الفردية التي يجب الإيفاء بها إلى جانب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار يومًا بعد يوم.

إن صندوق الأمان الوظيفي الذي تعتمد عليه الحكومة في تحقيق الأمن والاستقرار الأسري للمسرحين خطوة متميزة في تحقيق جزء من الحماية الاجتماعية ولكنها غير كافية؛ حيث إن المسرح يستلم جزءًا من راتبه السابق وبنسبة محددة تضمن استمرارية حالته المعيشية، لكن هناك التزامات أخرى عليه الإيفاء بها. لذا علينا بمعالجة المرض بشكل نهائي بدل المسكنات التي ينتهي مفعولها بسرعة، والمعالجة تتم بالجلوس مع كل الشركات وتوضيح كل الجوانب التي تمر بها البلد وضرورة وجود الحس الوطني عند كل الشركات، فالأمر غير قابل لمثل هذه التصرفات في هذا الوقت بالذات، كما على الحكومة دراسة وضع الشركات والعمل على دعمها في مواصلة مشوارها العملي كما كان في السابق والعمل على فتح المجال لمزيد من التسهيلات والتنازل عن عدد من الرسوم والضرائب التي ربما تكون مرهقة على هذه الشركات.

علينا جميعًا الإدراك بأنَّ قضية المسرحين قد تسبب المزيد من الصداع للحكومة لخطورتها والمزيد من الإرهاق على المُسرَّح لصعوبة مواكبة الحياة في ظل الارتفاع الجنوني في الأسعار وزيادة الضغط على المكون المجتمعي الذي تتجاذبه الكثير من القضايا والتي تحتاج إلى دعم مالي، فالعلاج مهم وضروري وبشكل حازم وقوي حتى لا نرى أبرياء يُزج بهم في السجون دون ذنب اقترفوه. ودمتم ودامت عُمان بخير.