عائض الأحمد
فلاح وابن فلاح، الأرض أرضه والسماء للجميع عاش مر العيش وحلوه بنى نفسه بنفسه، واتخذ من ماضيه حكمة يسير بها للحفاظ على نعمته كثرت أو قلت، عصامي المذهب البسيط السهل يرفضه ينتزع حقه بجهده ويعرف أين يضع قدميه قبل أن يرفع رأسه، ولكن ليست كل حياته كذلك فهو معرض لهفوات قد تسد عين الشمس وتحرق جسده وتقدمه وليمة لمن أراد أن يسخر منه ولو لمرة واحدة في حياته.
كان يمني نفسه بابنة "الباشا" فسعى بين صعود وهبوط حتى حل ضيفًا على والديها بعد أن تخطى العديد من الطبقات مرورا بالكادحة وتجاوزا "البرجوازية" حالما بـ"الأرسطقراطية" لعل نجمه يضيء في رحاب حدائق النفعية واستبداد الأدنى في سلم الوصول متناسياً خاله الإقطاعي بحجة الأرض الميتة وحياتها على أيدي الأشقياء.
لم تكن صدفة محضة كان عملا مدروساً فهو يحمل ثقافة العصر ويعلم بأنَّ ناقوسها حديد صلب لن يفله طموح شاب يافع فقط وإنما إرادة تعجل بقلب "شلبية" المستعصية على الجميع الخاضعة لما تراه وتلمسه وليس لما يقال أو ما يدور في مجلس والدها "البرجوازي" العتيد، كان له القدر بالمرصاد خذها كما فعلت الدول العظمى حينما عاثت فسادا بعد رحيلها، وكأن سياسة الأرض المحروقة منزوعة الإرادة يكفي لتظل تردد مفاهيم وشعارات ملأت بها عقول المهووسين فقط، ضحايا العقلية المتنفذة ورجيع الحضارات المتقدمة متلبسي المظهر عديمي الجوهر.
كان يخفى ألمه علَّ الأيام تنسيه جراحه، كلما غادر أعاده قدره سيرته الأولى و كأنما خلق إلى جوار "شلبية" متساقطا كأوراق السنديان في فصل الشتاء، أي مذلة بعد هذا العمر يا ابنة البرجوازي.
تذكرت تلك الفتاة الروسية في حقبة الاشتراكية الشيوعية وهي تتغنى "بالمساواة" فتخرج منذ الصباح لازالة الثلوج في شوارع موسكو ثم تعود في المساء إلى منزلها المتواضع وهو يئن تحت أكوام الثلج فلا تحرك ساكنًا وتنظر إلى السماء تناجي فطرتها الغائبة عن الوعي من شدة البرد هل تحمل لنا الأقدار نصًا نتلوه كما كان يفعل أسلاف بعض الديانات فلعل أرواحنا تتلبس بفراشات الربيع أسبوعا واحدا ويأخذها الأجل راضية مرضية.
رموز الطبقية كحكايات المساء نذكرها بشيء من الفانتازيا لينام أطفالنا قريري العين ليصحوا بهمة الكبار وبخطى ثابتة لبناء أوطانهم بعيدا عن لظى شمس تحرق الساكن دون حراك.
ختامًا: الأقوال ثم الأفعال تتبعها ضمائر حية.
*****
ومضة:
لستَ بحاجةٍ لمرشدٍ إنْ كنتَ سليمَ الخُطى.
*****
يقول الأحمد:
القوة في عين الأحمق ضعفٌ.