بأخلاقنا نسمو ونتطور ونتقدم

سالم  البادي (أبو معن)

يطلق هذا المفهوم على مجموعة قيم سلوك الإنسان بدءاً من الطفولة وتسير جنبا إلى جنب مع نموه وتطوره لتحقيق أهداف الحياة حاملةً الخبرات التربوية التي يمر بها الإنسان عبر سنينه في مجتمعه الصغير الأسري ومجتمعه الكبير ومحيطه الخارجي، وبذلك تعد التربية الأخلاقية الدائرة الشاملة المكتسبة طول عمر الفرد والتي تحمل المبادئ الخلقية والفضائل السلوكية والوجدانية.

فلابد من قوة دفع للسلوك الاجتماعي والعملي بكل جوانبه، فكان لا بد من استشعار مفهوم ووجود التربية الأخلاقية كقوة رادعة  ودافعة للسلوك البشري، وهي مساعد أولي ومعيار أساسي لتنظيم أعمال الفرد فتحقق له مكاسب الجهد والوقت وتبعده عن أي تناقضات واضطرابات الحياة، وتجعله يسير ضمن خط مستقيم مبني على الثوابت، وتمنحه الفرصة للتنبؤ بخطواته القادمة بكل ثقة ضمن إطار سليم.

يقول المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" صدق رسول الله.

إنَّ أهمية التربية الأخلاقية موجودة منذ أول وهلة للرسالة النبوية المحمدية؛ فالأخلاق السامية جاء الإسلام بها وبين محاسنها وفضائلها وحارب أخطاءها.

والتربية الأخلاقية منهج علمي وليست طريقة فلسفية مبنية على ولادة الأفكار والتساؤلات وبيان الفوارق بين الشجاعة والجبن والبخل والكرم والعدل والظلم والخير والشر، وإنما هي توفيق ما بين الفلسفة والدين بحيث الأخذ بكل ما يتناسب مع الدين الإسلامي ولا يتنافى معه، فبذلك فإنَّ التربية الأخلاقية هنا هي تكييف النفس وتشكيلها بما رسمته واعتمدته الشريعة الإسلامية السمحاء.

إن التربية الأخلاقية إحدى وسائل التربية عند رسولنا الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام والتي أكد عليها وأصر على وجودها المربون عبر كل الأزمنة وفي كل مكان منذ القدم وحتى عصرنا الحديث.

إن الأخلاق هي أهم وسيلة بل الأساس في ترقية قيم الإنسان والتي تشكل الدور الفعال في تغيير النفس البشرية نحو الأفضل وتعمير الأرض.

والأسس التي تبنى عليها هذه التربية جل شأنها  في تكوين الفرد الصالح الذي يعتبر نواة للمجتمع بحيث تتداخل هذه التربية في كافة مجالات الحياة لتساعد على إنشاء أفراد ناشطين في المجتمع ويحملون الحرص على مصلحتهم الذاتية ومصلحة مجتمعهم.

وتلك التربية تعمل على نبذ القيم الفاسدة والبعد عنها، فتساعد الفرد على فهم طبيعة خلقه في الحياة واستيعاب الرسالة البشرية فيحمل معه أجمل وأرقى الأخلاق والقيم.

وثبات هذه المنظومة التربوية الأخلاقية داخل الفرد يورثها للجيل الذي يليه وهكذا جيلا تلو الآخر فتصبح كالشعار وكالاسم الملاصق للفرد.

إن أي صلاح أخلاقي تربوي لدى أي أسرة يعد من أسباب سلامة نشأتها وإعادتها ضمن الخط الإيجابي لتساعد على بناء جيل يرتقي بأخلاق سامية ترتفع معه ليرفع ويسمو بأخلاق أجيال متعاقبة ومتلاحقة.

إن التقدم والبقاء والاستمرارية الإيجابية لدى الأجيال مرتبط بعظمة الأخلاق وسمو التربية، وصدق الله العظيم حين مدح نبيه محمداً بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم)؛ فالقرآن الكريم الذي هو أساس مبعث الأخلاق في أجيالنا والتي تتوارثها طول السنين، فالتربية الأخلاقية السامية التي تزرع في أعماق الفرد وتعمل على بنائه على أسس سليمة دائمة لهو الدور الفعال في تقدم الأمم وتطور شعوبها.

ولنأخذ نظرةً لإدراك حجم وعظم وأهمية التربية الأخلاقية وأثرها ونستشهد ببعض الأسر التي ابتعدت ولاذت عن تلك الأخلاق وحادت عن إيجابياتها، فترى الفساد وسوء الأخلاق بأبنائها ففسدت كل قيمها ومبادئها في كل جوانب حياتها، وهذا الحال كحال فرعون من قبل وقارون وكحال الكثير من الأسر في عهدنا هذا التي لم تعط اهتماما للتربية الأخلاقية فجابت الحياة بمفهومها المادي فقط.

وانظر إلى حال الأسر التي توجهت في بناء أفرادها على تنشئة تربوية أخلاقية إيجابية أساسها العبادة والتوجه إلى الله والثقة واليقين والعمل على مراقبة النفس ، لتجعل الفرد المراقب الأول لنفسه، ويعي ويدرك أهمية دوره ومسؤوليته المجتمعية والأسرية، وأهمية العمل الدنيوي والديني بشتى جوانبها، فترى بيان النجاح ووجود النظام وحسن السلوك المنبعث من هذه الأسر ومن أفرادها.

لا بُد من التركيز على نقطة هي بمثابة المسمار للمجتمع وهي العمل على تشجيع الفرد على نشر القيم والأخلاق وتوريثها للآخرين بدعوتهم إلى فضائل القيم والرقي والخير.

والأخذ بما يسمى بالقدوة الحسنة من حيث إرشاد الفرد إلى أعمال ذوي الهمم وذوي الأخلاق السامية ليكونوا عبرة وموعظة لهم. وهنا يأتي دور المؤسسات والجهات المعنية بهذا الجانب وخاصة وزارة التربية والتعليم، وفي مقدمتها بلا شك دور الأسرة الكبير ومن ثم دور المجتمع ولا ننسى دور المسجد أيضًا. فالكل في هذا المضمار يحمل على عاتقه مسؤولية عظمى وواجب إنساني واجتماعي وديني في تنشئة الجيل تنشئة صالحة وسليمة ترتقي وتسمو بنهج ديننا الإسلامي الحنيف وتعاليمه السمحاء.

بأخلاقنا نسمو ونتتطور ونتقدم، وبدونها نسقط ونتخلف ونتأخر.